الخميس، 2 نوفمبر 2017

العـــــــودة. ـ * من مجموعتى "إنتظار". حسام أبو سعدة.

العودة.
كان وجهها طافحًا بالنضارة و الشباب، إلا أن نظرات عينيها النارية أفرغت فى قلبه الرعب و جعلته يرتجف.
استيقظ ليجد نفسه فى فراشه فحمد ربه على أنه مجرد حلم. رن جرس المُنبه قبل أن يعود إلى النوم فقام محاولًا أن ينفض عن نفسه الكسل و الخمول. لا بد من السفر إلى "القاهرة" لحضور مؤتمر طبى هام، تمت دعوته بصفته من أكبر أطباء "الإسكندرية".
فى الجراج، ابتسم فى ارتياح عندما رأى سيارته الفاخرة الأنيقة. فى خلال دقائق معدودة أصبح على بداية الطريق الصحراوى، يستمتع بهواء المكيف المنعش و سحر الموسيقى.
بعد بضعة كيلومترات من بوابة "الإسكندرية" رأى شخصًا ما يقف بجانب الطريق و يشير له بالتوقف. رغم بعد المسافة إلا أنه لا يعرف لماذا شعر أن هذا الشخص ربما يكون السيدة التى رآها فى الحلم. عندما إقترب و توقف تأكد من صدق حدسه، إنها هى.
مدت يدها تصافحه بحرارة كأنهما صديقين حميمين. جلست بجواره بسرعة ثم قالت كأن اللقاء كان مدبرًا: هيا.
سأل: إلى أين؟
فأجابت فى ذهول: إلى "القاهرة".
إنطلقت السيارة و هو صامت فى ارتباك، لا يعرف ماذا يقول. شعرت بارتباكه فسألته: ألا تذكرنى؟
نظر إليها متشككًا ثم قال: إلتقينا بالأمس.
قالت فى استنكار: بالأمس فقط؟ أعرفك منذ عشرين عامًا، منذ أيام "مطروح".
بدأ حياته طبيبًا صغيرًا فى "مطروح". فى هذه الأيام، كان ما يزال يحصل على مصروفه من والده بالرغم من مرور إثنى عشر عامًا على دراسته للطب. فى بلادنا، مشوار الطب طويل و شاق.
قال لاستدراجها فى الحديث محاولًا التذكر: لا بد أنك كنت مريضة عندى.
قالت بصوت يشبه فحيح الأفعى: نعم. لقد أجريت لى سلسلة عمليات جراحية لمدة خمس سنوات.
ثم أكملت فى استهتار: كيف لا تذكرنى؟
أجاب فى استهتار أيضًا: المرضى كثيرين.
قالت فى سخرية: معك حق. هل كل المرضى مثلى؟
ـ ماذا تقصدين؟
ـ أقصد أن الحقيقة تكشفت لى بعد أن عدت إلى التراب. علمت أنك أجريت لى العمليات دون داع أبدًا، و علمت أنك إفتتحت عيادة كبيرة أنيقة فى "الإسكندرية" بالمال الذى نهبته من زوجى البدوى الثرى.
إقشعر جسده، سرت البرودة من الأطراف إلى كل أجزاء الجسد. الآن تذكر كل شىء، الآن أصبحت ذاكرته حديدية. إلتفت إليها فى ذهول و صمت. لم يستطع لى عنقه عنها و الالتفات إلى الطريق الذى إستدار فى منحنى خطير. دخلت السيارة إلى الجبل و انقلبت عدة مرات. أصبح ملقيًا على التراب الذى أتى منه وسط بركة الدم و حطام السيارة الفاخرة.
* من مجموعتى "إنتظار".
حسام أبو سعدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق