نفسها... هــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي ...الموؤودة...
ذات درجة عادية من عربة القطار السريع و المتوجه نحو محطته الأخيرة ..أخذ مقعده مزهوا بقيمته الرمزية كمثقف عضوي يتجنح رسالة إنسانية راقية بين قلة استلذت الفرجة من كل زوايا غياهب الهامش العطن على أبطال يجيدون صناعة عوالم اليأس بأدوات الخوف و الهزيمة النفسية ..
لقد أملى الواجب عليه أن يكرس حياته خدمة للأدب و أهدافه في الحياة و المجتمع و لا يتأتى ذلك إلا بمحاكاة أجناس التعبير المختلفة التي من شانها إحداث زوابع عنيفة في الوجدان الجمعي للتوعية ..التبصرة و التحسيس بالماحول و غول المجهول الممزق لكل احتمالات النصر و لو على الذات الهائمة في غيها و خذلانها ...
لقد استغرقت الرحلة ليلة كاملة مرت على بياض في مراجعة القصيدة التي اعتزم إلقاءها في الملتقى الشعري الوطني ...لقد صرف كل الجهد في التعديل و التغيير و الإضافة و إقحام بين الأبيات البدائل الرمزية المقترحة من سياقات المداليل التى اعتبرها صانعة الدهشة التي ستحرك بالقوة باحة التعليق و التعقيب لدى الحضور ...
غصت العربة بالركاب و من مختلف الأعمار و لعل ما أثار دهشته مشهد صاعق لفتاة مراهقة تناولت من سيدة ترافقها سيجارة ذات الطراز الرفيع و طفقتا تدخنان رغم لافتة المنع الملصقة في كل بوابات العربات ...و بوشوشات متدرجة النبر بين الشدة و الرخاء تتعالى ضحكاتهما عاليا ...فيتناها المقتطع من الرسالة إلى سمعه الحاد ...لعلهما تتحدثان عن قيم الشغل المرعية والواجب احترامها في منزل مشغلها ...و من ثمة اكتشف من بلاغة تأويل المفترض حدسا : ان هذه الفتاة إنما هي شغالة تحت الطلب و المراة التي تصحبها انما هي سمسارة تقوم تحت ضغط الفقر بجلب القرويات الأميات فتروضهن بالتدريج على البغاء و العمل في البيوت مع اخذ عمولاتها عن كل عمل يقمن به ... بعدئذ تختار من خلال شبكة التصنيف الجميلات منهن لتصديرهن سلعا للجنس الى دول الخليج ... صدق الرسول الكريم لما قال او فيما معناه :
-.-.ما تركت فتنة اشد على أمتى من فتنة النساء.-.-
وتابع غاضبا :
--- أين حق هؤلاء في التعليم و الحياة الكريمة؟؟؟ ..
إنهن أرقام تترسب مؤتفكات موؤوادت تحت اركمة الفقر الذي كاد أن يكون كفرا... سبحان الله نفس الوأد قديما و حديثا ...
فيا له من مشهد مؤثر انتقش على جدار الوعي الدامي و قد أرخى بظلاله على مصير أبنائه و ما يتهددهم من شبح الاستغلال الهادر لكرامتهم و العاصف لآدميتهم في الحياة التي جبلت على- ..و كرمنا بني ادم ...-
مزق القصيدة و قال :---يتمحور شعار الملتقى عن الرهانات و المكاسب في ظل حكومة الوفاق ...انها حكومة لقبيلة جاهلية ...ثم صمت و تابع مونولوجه ساخطا :
---- حقا .. لازلت أحيا في جلباب أبي جهل ..و لا يسعني إلا أن القي بيتا بديلا عن مطولات اليأس و النفاق التي كنت قد دبجت صورها براءة من الله و الضمير ... فالمشهد قد كثفها بمنطق الاختزال إلى ما يجدر بي قوله و لب القول ما سيسمعون :
-- وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ , بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ
محمد القصبي
22/11/2017
بلقصيري
المغرب الاقصى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق