علـى رَصيـفٍ ضَيِّـقِ الكَتِفَيْـن / سليمان دَغَش
كشارِعٍ فارغٍ إلا من أوراقِ شجَرَةٍ مُتعَبةْ
أسقطتها يَدُ الريحِ ذاتَ خريفٍ كئيبٍ غَريبْ
كُنتُ وَحدي
مَرَّ بي الشّارعُ الموحِشُ خُطوَةً خُطوَةً
وبَعثَرَتني الرّيحُ على رصيفِ التيهِ والأسئلةْ
مَرّتِ الرّيحُ الى غايَتِها تُكمِلُ الدَّربَ الذي بَدَأَتهُ
منْ أزَلٍ،فَلِكُلِّ ريحٍ غايَةٌ وَرِسالةٌ أخرى
وَسِرٌّ لا تَبوحُ بِهِ يُراوِدُ هاجِسَ التَّعليلِ والتَّأويلِ،
كَيفَ تُفَسِّرُ الغاباتُ سِحرَ تَسَلُّلِ الشَّمسِ على أجفانِها نوراً
يُهَذِّبُهُ اشتِباكُ الظِّلِّ في الأشجارِ تَختَصِرُ الأُوارَ
على شَمسِيَّةٍ خَضراءَ واسِعَةِ المَدى حلَّت ضَفائِرَها
على كَتِفِ الجَليل،كأنَّ الرّيحَ تَدخُلُ في متاهَتِها
على رُؤوسِ أصابِعِ القَدَمَينِ كَي لا تُغضِبَ الغاباتِ
في استلهامِ هالاتِ الطَّبيعَةِ نَغمَةً أو خَدشِ هَمَساتِ الحَنينِ تَئِنُّ في شَجَرِ الجَليلِ يَميلُ بِرَقصَةِ الباليه على ايقاعِ وَشوَشَةِ العَصافيرِ
وأجنِحَةِ الفَراشاتِ الأنيقَةِ شَدَّها عِطرٌ تَنَفَّسَ في شِفاهِ الزَّهرِ
إنَّ روحَ اللهِ تَسكُنُ في الجَليلِ أنينَ نايٍ سَرمَدِيٍّ
يَتهادى في صَميمِ الكَونِ موسيقى تُرَتِّلُها ملائِكَةُ السّماءْ
مَرَّ بي الشارِعُ في رَصيفٍ ضَيِّقِ الكَتِفَينِ،اشتَدَّتِ الرّيحُ
على طولِ الرَّصيفِ تَتبَعُها العواصِفُ،حاوَلتْ نَثرِيَ
في مَهَبِّ الرّيحِ خارِجَ التاريخِ والجغرافيا
أعرِفُ الجِسرَ الذي مَرَّ بنا،شَطَرَ القَلبَ إلى نِصفَينِ
صارَ لونُ الماءِ أحمَرَ منْ دِماءِ قلوبنا
والجِسرُ راحَ يَئِنُّ منْ هَولِ الرّحيلِ،تَكَسَّرَتْ أضلاعُهُ
فَبَكى لنا،ما زِلتُ أسمَعُ في أنينِهِ أدمُعي
وأكادُ أحصي في عُيوني أدمُعَهْ
مَرَّتِ الرّيحُ وأبطَأَ مثلَ السُّلحُفاةِ ذَيْلُ الزَّوبَعةْ
مَرَّتِ الرّيحُ
وَمَرَّ الجِسرُ
مَرَّ النّهرُ
مَرَّ العابِرونَ على هَوامِشِ بَحرِنا في ذِمَّةِ التاريخِ
كُنتُ وَحدي هاهُنا بَعدَ انشِطارِ القَلبِ نِصفَينِ
أمُرُّ على رَصيفِ الحُلْمِ أضيَقَ منْ مَجالِ الرّوحِ
في وَطَني، أَُعِدُّ خَريطَةً للرّوحِ تُشبِهُني
وَتَسكُنُني وتَعرِفُني وأعرِفُها، حُدودُها ماءآن
في لونِ السّماءِِ بِزُرقَةٍ أبَدِيّة الإلهامِ في مَعنى الدَّلالةِ
أوسَعَ من مدى الرؤيَةِ أو مدِّ الرؤى
َكُنتُ مُحتَدِماً بِذاتي ملءَ ذاتي لأعيدَ تشكيلَ الخَريطَةِ
باتّساعِ الرّوحِ منْ ماءٍ إلى ماءٍ يُعَذِّبُني
بِوُسعِ الآهِ بَعدَ الآهِ يا وَطني
لا الرّيحُ قادِرَةٌ عليَّ ولا الغُزاةُ العابِرونَ
على الصَّبارِ في جَسَدي المُدَمّى،
إنَّ مفتاحَ العواصِفِ في دَمي
مَرّوا هُنا وبَقيتُ حياً فيكَ، بَقيتَ حياً في دَمي
سَأقَبِّلُ الأَرضَ الحَرامَ وأنحَني لِتُرابِها القُدُسيِّ
ولَكَ... لَكَ وَحدَكَ أنتَ يا وَطَني
سَأعتَـذِرُ...!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق