سرد قصصى
هزائم الحياة
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
&&& ليست قصة ،،، سرد قصصي يفوق القصة &&&
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإنسان مطالب دائماً أمام هزائم الحياة بأن يحاول تحجيم خسائره فيها بقدر الإمكان ، فالنفس القوية تصمد أمام الابتلاءات والمحن وتقوم واقفة بصلابة بعد أن تقع و تهزها المحن والخطوب ، وكما يقول المثل الشهير : الثقة في كل أحد عجز ، لكن كيف يكون الحال عندما تأتي الطعنة الغادرة من شريك العمر دون أي أسباب أو مبررات ..!
إنها تكون طعنة في الصميم وصدمة نفسية هائلة بلا شك ، ورغم ذلك يجب الثبات ومراجعة النفس وسؤالها عن أسباب التقصير ، فإن لم تجد أي سبب للتقصير، إذن فالعتب يكون على الطرف الآخر أي الزوج الذي لم يحفظ عِشرة السنين ولا المعروف الذي أسدته له زوجته فكان جزاؤها هو الغدر بلا هوادة ولا رحمة!
فيروز فتاة بريئة مسكينة جاءتني تشكي غدر أبيها بأمها قائلة : كان أبي مدرساً بمعهد عال وأمي تعمل بوزارة الثقافة ، وكانت حياتنا عادية جداً مثل باقي خلق الله ، حيث نعرف بعض اليُسر والبحبحة في أوائل الشهر فنخرج للفسحة وننعم ببعض الأكلات الجيدة ثم نرجع سيرتنا الأولى ونعود لحياتنا الجادة نعيش في تقشف تام حتى آخر الشهر ، ورغم ذلك كنا سعداء وكنت أكثر أفراد الأسرة سعادة حيث كنت أنا الابنة الكبرى التي تحظى باهتمام وتعاطف أمها وأبيها وعلاقتي بشقيقي الأصغر والوحيد عاطف جيدة واعتمد عليه في قضاء مصالحي
ويثق هو فيّ ويفتح لي قلبه دائما ، أما علاقة أبي بأمي فكانت مضرب الأمثال رغم أن شخصية أمي كانت هي المسيطرة على الأسرة ، فقد تزوجت أبي عقب تخرجه مباشرة في كلية التربية ، وتكفلت بكل نفقات الزواج لأنه تزوج على غير رغبة أسرته ، وكانت بداية حياتهم الزوجية في شقة جدتي لأمي ، وظل الوضع هكذا حتى عمل أبي ، وبعد عامين من زواجهما جئت إلى الحياة وكانت جدتي قد رحلت عنها ، ثم جاء شقيقي عاطف بعدي بعام آخر واكتملت أسرتنا .
وأثبتت أمي لأسرة أبي أنها دفعته للأمام وكانت خير معين له فشجعته على مواصلة دراساته العليا ودفعت عنه رسومها وحرمت نفسها من كل شيء لتهيئ له الجو الملائم للدراسة ، فكانت تنقل له المذكرات وتلخص بعض الكتب ، بل وكانت تحضر بعض المحاضرات نيابة عنه وتسجلها له ، واشترت له آلة كاتبة لتنسخ الأوراق التي يحتاج إليها وكتبت عليها رسالته للماجستير وطبعت منها عدة نسخ ، وكان يوم حصوله على الماجستير عيداً احتفلنا به في بيت جدي ونالت خلاله أمي ثناء كل أفراد أسرة أبي ، وحين كان أبي يدرس للحصول على الدكتوراه ساعدته أمي كثيراً فكانت تذاكر معه وكأنها ستؤدي الامتحان مثله ، وقد نسيت نفسها تماماً وذابت في أبي فلم تسجل للماجستير رغم نجاحها بتقدير عال يؤهلها للدراسات العليا ، فقد كان كل همها هو حصول أبي على الدكتوراه ، وحصل أبي بالفعل على الدكتوراه وأصبح أستاذاً جامعياً بأحد المعاهد العليا ، وسعدت أسرة أبي بذلك وانهالت بالثناء على أمي .
مضت السنين سريعاً وتخرجت أنا في الجامعة وعملت وتزوجت بفضل حسن تصرف أمي حيث استعانت بأحد أقاربها الذي يعمل أستاذاً بالكويت ورجته أن يجد فرصة عمل لأبي حتى يستطيع تحمل تكاليف زواجي ، وسافر أبي بالفعل إلى الكويت وعمل هناك في الجامعة ، ورأت أمي ألا تسافر معه في العام الأول كي يتمكن من ادخار معظم راتبه لجهازي ، وسافر أبي وحيداً وبدأ يرسل لأمي بانتظام نقوداً ، فتقوم بشراء جهازي ورتبت كل شيء ، وعاد أبي في الصيف ليجد كل شيء جاهزاً ، فتزوجت وسعد أبي بتدبير أمي وحسن تصرفها وأشاد بذلك كثيراً ، وعندما أرادت أمي أن تسافر معه في السنة الثانية رأى أن يسافر وحيداً لكي يوفر المال اللازم لشراء شقة لأخي عاطف ، وقال لها أنه سيعوضها يعوّضها خيراً على صبرها وكفاحها معه بأن يعيشا معاً في سعادة دائمة وأنه سوف يصطحبها كل سنة لزيارة دولة من دول العالم .
سافر أبي وحيداً وبعد عدة شهور أرسل نقوداً اشترت أمي بها شقة لأخي عاطف
قريبة منها وتزوج أخي بعد سنة من الاستعدادات .
وبعد زفاف أخي طلبت أمي من أبي أن يصطحبها معه كما وعدها ، لكنه لم يف بوعده ة واستمر الحال هكذا أكثر من ستة أعوام ، وذات يوم فوجئت بأبي يخبرني هاتفياً بأنه قد تزوج من فتاة شابة من أسرة صديقة وأنه اضطر لذلك !
ساعتها لم أفهم ما يقصده ، وأخبرني أن شرط أسرة زوجته الوحيد هو ألا يحضر أمي للإقامة هناك !
يا إلهي هكذا فجأة هانت عليه أمي ونسي عِشرة السنين وكفاحها وتضحيتها من أجله !!
ووقعت في حيرة كبيرة ، كيف أخبر أمي بهذا الخبر الكارثي ؟!!
مرت الأيام وتشجعنا أنا وأخي عاطف وأبلغناها بالخبر ، وكانت الصدمة هائلة عليها استمرت لعدة دقائق غير مصدقة ومذهولة ، ثم انسابت دموعها في صمت وبكت طويلاً ولم تقل سوى سامحه الله !
بعد عدة شهور حضر أبي إلى مصر ومعه زوجته الجديدة وفوجئت به يأتي لزيارتي وهي معه ، فأسرعت لأمي أروي لها ما حدث فطالبتني بحزم بألا استقبل زوجة أبي مرة أخرى وطلبت نفس الشيء من أخي ووعدناها بذلك ، وعندما أبلغت أبي برغبة أمي ثار في وجهي وطالبني بألا أهز صورته أمام زوجته ، ووقعت في حيرة كبيرة بين رضا أمي ورضا أبي !!
فأمي تتهمني بأنني أنحاز لأبي وأصبحت شديدة العصبية وتهددنا بمقاطعتنا إلى أن تموت إذا انحزنا مرة أخرى إلى أبي في المستقبل !
هكذا عشنا مع صورة واقعية مُرة لهذا الزوج الغادر ورأينا كيف أنه لم يحفظ عِشرة السنين والجميل الذي أسدته له زوجته معرضاً إياها لمحنة قاسية بصدمتها فيه ، بينما كانت تظن أنها أدت رسالتها كاملة معه ومع أولادها وآن لها أن تستريح وتجني ثمار كفاحها !!
تلك هي هزائم الحياة تقتل فينا معنى الحياة والتضحية والإيثار ، لقد ازدادت حساسيتها تجاه كل ما يذكرها بهذا الغدر ومن يتسامحون معه من أقرب الناس إليها وهم أولادها !
إنه حقاً موقف صعب يواجه الأبناء عندما يختلف الآباء فيقعون في حيرة كبرى ، كيف يرضون كلا الطرفين ؟!
لقد اطلعنا علي صورة مختلفة من طبائع النفس البشرية التي تطمع دائماً في المزيد ، وصدق المثل القائل : لايملئ عين ابن آدم غير التراب !...
ذلك لأنه طماع بطبعه لا يرضى بالقليل الذي بين يديه .
وذلك الزوج الغادر لم يكن بين يديه قليل ، وإنما كثير وكثير جداً بحب زوجته له وتضحيتها من أجله وبنجاح أولاده وحياتهم المستقرة ، لكنه البطر بالنعمة وجحودها ... والأمر لله من قبل ومن بعد .
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
هزائم الحياة
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
&&& ليست قصة ،،، سرد قصصي يفوق القصة &&&
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإنسان مطالب دائماً أمام هزائم الحياة بأن يحاول تحجيم خسائره فيها بقدر الإمكان ، فالنفس القوية تصمد أمام الابتلاءات والمحن وتقوم واقفة بصلابة بعد أن تقع و تهزها المحن والخطوب ، وكما يقول المثل الشهير : الثقة في كل أحد عجز ، لكن كيف يكون الحال عندما تأتي الطعنة الغادرة من شريك العمر دون أي أسباب أو مبررات ..!
إنها تكون طعنة في الصميم وصدمة نفسية هائلة بلا شك ، ورغم ذلك يجب الثبات ومراجعة النفس وسؤالها عن أسباب التقصير ، فإن لم تجد أي سبب للتقصير، إذن فالعتب يكون على الطرف الآخر أي الزوج الذي لم يحفظ عِشرة السنين ولا المعروف الذي أسدته له زوجته فكان جزاؤها هو الغدر بلا هوادة ولا رحمة!
فيروز فتاة بريئة مسكينة جاءتني تشكي غدر أبيها بأمها قائلة : كان أبي مدرساً بمعهد عال وأمي تعمل بوزارة الثقافة ، وكانت حياتنا عادية جداً مثل باقي خلق الله ، حيث نعرف بعض اليُسر والبحبحة في أوائل الشهر فنخرج للفسحة وننعم ببعض الأكلات الجيدة ثم نرجع سيرتنا الأولى ونعود لحياتنا الجادة نعيش في تقشف تام حتى آخر الشهر ، ورغم ذلك كنا سعداء وكنت أكثر أفراد الأسرة سعادة حيث كنت أنا الابنة الكبرى التي تحظى باهتمام وتعاطف أمها وأبيها وعلاقتي بشقيقي الأصغر والوحيد عاطف جيدة واعتمد عليه في قضاء مصالحي
ويثق هو فيّ ويفتح لي قلبه دائما ، أما علاقة أبي بأمي فكانت مضرب الأمثال رغم أن شخصية أمي كانت هي المسيطرة على الأسرة ، فقد تزوجت أبي عقب تخرجه مباشرة في كلية التربية ، وتكفلت بكل نفقات الزواج لأنه تزوج على غير رغبة أسرته ، وكانت بداية حياتهم الزوجية في شقة جدتي لأمي ، وظل الوضع هكذا حتى عمل أبي ، وبعد عامين من زواجهما جئت إلى الحياة وكانت جدتي قد رحلت عنها ، ثم جاء شقيقي عاطف بعدي بعام آخر واكتملت أسرتنا .
وأثبتت أمي لأسرة أبي أنها دفعته للأمام وكانت خير معين له فشجعته على مواصلة دراساته العليا ودفعت عنه رسومها وحرمت نفسها من كل شيء لتهيئ له الجو الملائم للدراسة ، فكانت تنقل له المذكرات وتلخص بعض الكتب ، بل وكانت تحضر بعض المحاضرات نيابة عنه وتسجلها له ، واشترت له آلة كاتبة لتنسخ الأوراق التي يحتاج إليها وكتبت عليها رسالته للماجستير وطبعت منها عدة نسخ ، وكان يوم حصوله على الماجستير عيداً احتفلنا به في بيت جدي ونالت خلاله أمي ثناء كل أفراد أسرة أبي ، وحين كان أبي يدرس للحصول على الدكتوراه ساعدته أمي كثيراً فكانت تذاكر معه وكأنها ستؤدي الامتحان مثله ، وقد نسيت نفسها تماماً وذابت في أبي فلم تسجل للماجستير رغم نجاحها بتقدير عال يؤهلها للدراسات العليا ، فقد كان كل همها هو حصول أبي على الدكتوراه ، وحصل أبي بالفعل على الدكتوراه وأصبح أستاذاً جامعياً بأحد المعاهد العليا ، وسعدت أسرة أبي بذلك وانهالت بالثناء على أمي .
مضت السنين سريعاً وتخرجت أنا في الجامعة وعملت وتزوجت بفضل حسن تصرف أمي حيث استعانت بأحد أقاربها الذي يعمل أستاذاً بالكويت ورجته أن يجد فرصة عمل لأبي حتى يستطيع تحمل تكاليف زواجي ، وسافر أبي بالفعل إلى الكويت وعمل هناك في الجامعة ، ورأت أمي ألا تسافر معه في العام الأول كي يتمكن من ادخار معظم راتبه لجهازي ، وسافر أبي وحيداً وبدأ يرسل لأمي بانتظام نقوداً ، فتقوم بشراء جهازي ورتبت كل شيء ، وعاد أبي في الصيف ليجد كل شيء جاهزاً ، فتزوجت وسعد أبي بتدبير أمي وحسن تصرفها وأشاد بذلك كثيراً ، وعندما أرادت أمي أن تسافر معه في السنة الثانية رأى أن يسافر وحيداً لكي يوفر المال اللازم لشراء شقة لأخي عاطف ، وقال لها أنه سيعوضها يعوّضها خيراً على صبرها وكفاحها معه بأن يعيشا معاً في سعادة دائمة وأنه سوف يصطحبها كل سنة لزيارة دولة من دول العالم .
سافر أبي وحيداً وبعد عدة شهور أرسل نقوداً اشترت أمي بها شقة لأخي عاطف
قريبة منها وتزوج أخي بعد سنة من الاستعدادات .
وبعد زفاف أخي طلبت أمي من أبي أن يصطحبها معه كما وعدها ، لكنه لم يف بوعده ة واستمر الحال هكذا أكثر من ستة أعوام ، وذات يوم فوجئت بأبي يخبرني هاتفياً بأنه قد تزوج من فتاة شابة من أسرة صديقة وأنه اضطر لذلك !
ساعتها لم أفهم ما يقصده ، وأخبرني أن شرط أسرة زوجته الوحيد هو ألا يحضر أمي للإقامة هناك !
يا إلهي هكذا فجأة هانت عليه أمي ونسي عِشرة السنين وكفاحها وتضحيتها من أجله !!
ووقعت في حيرة كبيرة ، كيف أخبر أمي بهذا الخبر الكارثي ؟!!
مرت الأيام وتشجعنا أنا وأخي عاطف وأبلغناها بالخبر ، وكانت الصدمة هائلة عليها استمرت لعدة دقائق غير مصدقة ومذهولة ، ثم انسابت دموعها في صمت وبكت طويلاً ولم تقل سوى سامحه الله !
بعد عدة شهور حضر أبي إلى مصر ومعه زوجته الجديدة وفوجئت به يأتي لزيارتي وهي معه ، فأسرعت لأمي أروي لها ما حدث فطالبتني بحزم بألا استقبل زوجة أبي مرة أخرى وطلبت نفس الشيء من أخي ووعدناها بذلك ، وعندما أبلغت أبي برغبة أمي ثار في وجهي وطالبني بألا أهز صورته أمام زوجته ، ووقعت في حيرة كبيرة بين رضا أمي ورضا أبي !!
فأمي تتهمني بأنني أنحاز لأبي وأصبحت شديدة العصبية وتهددنا بمقاطعتنا إلى أن تموت إذا انحزنا مرة أخرى إلى أبي في المستقبل !
هكذا عشنا مع صورة واقعية مُرة لهذا الزوج الغادر ورأينا كيف أنه لم يحفظ عِشرة السنين والجميل الذي أسدته له زوجته معرضاً إياها لمحنة قاسية بصدمتها فيه ، بينما كانت تظن أنها أدت رسالتها كاملة معه ومع أولادها وآن لها أن تستريح وتجني ثمار كفاحها !!
تلك هي هزائم الحياة تقتل فينا معنى الحياة والتضحية والإيثار ، لقد ازدادت حساسيتها تجاه كل ما يذكرها بهذا الغدر ومن يتسامحون معه من أقرب الناس إليها وهم أولادها !
إنه حقاً موقف صعب يواجه الأبناء عندما يختلف الآباء فيقعون في حيرة كبرى ، كيف يرضون كلا الطرفين ؟!
لقد اطلعنا علي صورة مختلفة من طبائع النفس البشرية التي تطمع دائماً في المزيد ، وصدق المثل القائل : لايملئ عين ابن آدم غير التراب !...
ذلك لأنه طماع بطبعه لا يرضى بالقليل الذي بين يديه .
وذلك الزوج الغادر لم يكن بين يديه قليل ، وإنما كثير وكثير جداً بحب زوجته له وتضحيتها من أجله وبنجاح أولاده وحياتهم المستقرة ، لكنه البطر بالنعمة وجحودها ... والأمر لله من قبل ومن بعد .
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق