الأربعاء، 24 مايو 2017

قصة الغرائب أنجب بقلم الأديب / أحمد عبداللطيف النجار

سرد قصصي
الغرائب أنجب !!
بقلم / أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي 
&& ليست قصة ،،، سرد قصصي يفوق القصة &&
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وسنته الشريفة دستور للحياة للمسلمين وللبشرية جمعاء ، فقد ورد عنه صلي الله عليه وسلم ( اغتربوا لا تضووا ) .
وقد تنبه العرب القدامى إلي هذه الحقيقة العلمية ، فقالوا في أمثالهم ..( بنات العم أصبر والغرائب أنجب ) .. لكن للأسف الشديد لا نتنبه ونحن في القرن الحادي والعشرين إلى هذه الحقيقة إلا حين تنفجر المشكلة ، بل المأساة وتدفع القلوب الجريحة الثمن الباهظ من سعادتها وهنائها !!
ما بالنا نجد أقواماً يصرون على شقاء أولادهم وأحفادهم بزواج الأقارب الذي (( غالباً)) ما ينتج عنه نسل ضعيف أو مُعاق بإعاقات خطيرة يصعب وأحياناً يستحيل علاجها !
وهذا ما رأيته بنفسي في معظم الحالات التي تُعرض علىّ بحكم عملي رئيساً للأجهزة التعويضية بالهيئة العامة للتأمين الصحي ، معظم حالات الشلل الدماغي وضمور المخ يكون سببها المباشر هو زواج الأقارب ، وطبعاً حالات زواج الأقارب تزداد أكثر في صعيد مصر بسبب الميراث وغياب الوعي الصحي والديني !
وطبعاً غياب الوعي الصحي والديني سببه إعلامنا (( الفاسد)) الذي تفرغ فقط للفوازير الهايفة والإعلانات الساذجة وبرامج ( التخلف العقلي ) مثل برنامج رامز قلب الأسد سابقاً ، وحالياً برنامج هاني في الأدغال !!... هذا هو إعلامنا المصري الكسيح !!!
نعود إلي موضوعنا عن زواج الأقارب وما ينتج عنه من مآسي وكوارث للأبناء والأحفاد معاً !
صفية فتاة مسكينة جاوز عمرها 34 سنة ، نشأت في أسرة متوسطة الحال بين شقيقين وأخت في ظلال أب طيب القلب يعمل بأحد فروع بنك قطاع عام بإحدى مدن الأقاليم المصرية ، وأم طيبة تعمل مديرة لمدرسة إعدادية .
جاءتني صفية ذات يوم باكية حزينة مقهورة ، تندب حظها العسر في الدنيا تقول : منذ طفولتي نعمت بالجو الأسرى الدافيء بالحب الصادق والمشاعر الجميلة ، فأبي ابن خالة أمي ولقد تفاهما علي الزواج وهما ما زالا في مرحلة الدراسة ، وتم زواجهم بالفعل ولقي ذلك الزواج ترحيباً حاراً من الأهل لأننا ننتمي لأسرة تمتد جذورها إلي أعماق الصعيد وتفضل (( دائماً)) زواج الأقارب على زواج الغرباء ، وبالذات عند زواج بنات العائلة ، فلا يسمح لهن ( أبداً)
بالزواج من الغرباء ، حتى أن خالي قد (( حجزني)) مبكراً لابنه بشير الذي كان وقتها ما زال طالباً بالثانوية العامة !
تمر الأيام سريعاً ، وبعد أن ننتهي من دراستنا ويعمل بشير عقب تخرجه في فرع البنك نفسه الذي يعمل به أبي ، تتم الخطوبة ثم زواجنا لنبدأ حياتنا الزوجية معاً وسط سعادتنا وسعادة الأهل معنا .
بعد زواجنا بعامين ؛ أحسست بدبيب ثمرة حبنا في أحشائي وطرت فرحاً بذلك !
مضت شهور الحمل الطبيعية سريعاً وبلا متاعب تُذكر ، ثم جاء موعد الولادة ، فأنجبت طفلاً رائعاً ، لكنه قليل الوزن بعض الشيء ، وسعدنا به كثيراً ، لكن سعادتنا لم تطل للأسف الشديد لأنه ظل عليلاً وضعيفاً ، ثم مات فجأة بين ذراعي بعد أيام قليلة من ولادته !
خيّم الحزن الكئيب علي حياتنا وحاولنا معرفة سبب وفاة أول مولود لنا ، مع أن ولادته كانت طبيعية ، وأجرينا فحوصات طبية ، فقال لنا الأطباء أن الجينات الوراثية هي المسئولة عن ولادة طفلنا البكري ضعيفاً هزيلاً !!
بل وذكروا لنا ( بعد أن عرفوا أننا أقارب من الدرجة الأولي ) وأبوانا كذلك ، ساعتها أكدوا لنا أن أي مولود سوف ننجبه لن يُلد طبيعياً ولن يطول بقاؤه علي قيد الحياة !
وقدموا لنا النصيحة المخلصة بأن ننفصل ، وأن يتزوج كلاً منا شخص (( غريب عن العائلة)) حتى ننجب أطفالاً أسوياء ، أقوياء البنية !!
أصبح الاختيار في حالتنا حتمياً ، وهو في الواقع اختيار قاس وصعب كثيراً علينا ، فأنا لا أتخيل الدنيا بدون زوجي وهو كذلك !
هنا تدخل الأهل من الطرفين واقترحوا علينا أن نحاول مرة أخرى تجربة الحمل والولادة ، لعل وعسى ننجب طفل قوى البنية ؛ ينقذ حياتنا الزوجية من الانهيار !
نفذنا نصيحة أهلنا ، وشاءت مشيئة الله أن يحدث حمل للمرة الثانية ، وقمنا بمتابعة الحمل مع أمهر الأطباء وإتباع كافة التعليمات كي يرزقنا المولى عز وجل طفل سليم في حالة صحية جيدة !
تمر الأيام سريعاً ويقترب موعد ولادتي ، ويأتي طفلي المسكين للوجود ناقص النمو ، وتم وضعه في حصّانة للأطفال المبتسرين ، وبعد أربعة أيام فقط يرحل عن الحياة ويلحق بأخيه !!
هكذا كانت مشيئة الله وحكمته ، ... ساعتها خيّم الحزن علينا جميعاً بعد أن رسبنا في اختبار الحمل والولادة !
ولم يقتصر الأمر علي ذلك ، فقد فوجئت بأهل زوجي يلحون عليه بالزواج من أخرى لإنجاب أطفال أسوياء ،، وزاد من آلامي أن وجدت أقرب الناس إلينا يتحدث صراحة عن وجوب انفصالنا لكيلا يظلم أحدنا الآخر ، أو أن أقبل أن يتزوج زوجي من أخرى مع استمراري معه !! 
ساعتها لمحت في عين زوجي بشير مشاعر الحيرة والتردد ، فهو لا يريد أن يخسرني للأبد ، وفي نفس الوقت لا يستطيع إسكات صوت الغريزة في دمه ؛ غريزة الأبوة وأن يكون أباً مثل باقي الناس !!
تقول صفية : فجأة حسمت أمري واتخذت قراراً فريداً ، هو أن أختار بنفسي زوجة جديدة لزوجي !
حقيقة كان القرار صعباً كثيراً علي نفسي ، لكن الله أعانني عليه ، وبدأت بالفعل رحلة البحث الصعبة إلي أن وفقني الله لاختيار امرأة شابة مناسبة كثيراً لزوجي ، وكان اختياري بناء علي ترشيح إحدى أخوات زوجي بشير لتلك المرأة أو الزوجة الجيدة !
لكني اشترطت عليهم أن اذهب بنفسي كي أخطبها لزوجي ، وذهبت بالفعل إلي منزل العروس ، ولكن لم يطاوعني لساني علي الحديث في الموضوع ، وكررت الزيارة مرة ثانية ، وحدث نفس التردد فلم تطاوعني نفسي أن أخطب بنفسي عروس جديدة لزوجي !!
ساعتها فوجئت بسيل من الاتهامات من أهل زوجي بأنني أنانية وظالمة لزوجي لأنني حرمته من الإنجاب وأنه مُحرج مني ولا يريد التضحية بي ، وأن من واجبي أن ( أتساهل) وأتنازل حتى لا أظلم زوجي !
تلك كانت حكاية البائسة صفية ، ضحية العُرف والتقاليد (( الغبية)) البالية (( خاصة)) في صعيد مصر ، تلك التقاليد القبلية التي (تحتم) زواج الفتاة من أقربائها ( من الدرجة الأولي ) رغم علم الأهل ويقينهم بأن مثل هذا الزواج ( العائلي) لا ينتج عنه سوى ذرية ضعيفة مريضة ، خاصة أن مثل هذا الزواج العائلي يتكرر أجيال وراء أجيال !
لذا كان من الواجب علي ولي الأمر من أهل المسكينة صفية أن ينتبه مبكراً ويطلب عمل تحاليل الوراثة قبل زواج ابنته من ابن خالها بشير ، واستكشاف مدى استعدادهم لإنجاب أطفال أسوياء أصحاء !
خاصة أن الحقائق العلمية تقول أنه ليس كل أبناء الأعمام أو الأخوال والعمات يواجهون مشكلة ضعف النسل بعد الزواج ، وإنما بعضهم فقط إذا توفرت في حالتهم عوامل وراثية أخرى مساعدة كانحدار الطرفين معاً من أبوين وربما من جدين من نفس العصب ، وهذا بالتحديد هو ما حدث في حالة صفية وبشير !
في كل الأحوال لابد من تسجيل إعجابنا بشخصية صفية القوية ، المؤمنة الصابرة لمحاولتها اختيار زوجة أخرى لزوجها !!
لقد قامت بشيء يصعب ، بل يستحيل علي الكثيرات القيام به
والمولي عز وجل لا يحمّل الإنسان فوق طاقته ، وهذا ما عرفناه جميعاً في ليلة الإسراء والمعراج عندما كلَف الله عز وجل أمة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم بالصلاة بأن جعلها خمس صلوات في الأداء وخمسين صلاة في الأجر والثواب !
لعلنا (( جميعاً)) نستفيق من غيبوبة التقاليد الغبية في موضوع زوج الأقارب ، لسببين ، أولهما إنتاج ذرية ضعيفة مريضة ، والسبب الثاني هو كارثة العنوسة في مصر خاصة والعالم العربي عموماً ، ففي مصر وحدها 15 مليون عانس !!
أتدركون مغزى ذلك الرقم الصعب ؟!!
أتمني الإجابة من القراء الكرام !
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق