الثلاثاء، 23 مايو 2017

زينة الحياة الدنيا بقلم أحمد عبد اللطيف النجار

سرد قصصي 
زينة الحياة الدنيا 
بقلم 
أحمد عبد اللطيف النجار 
كاتب عربي 
&& ليست قصة ،، سرد قصصي يفوق القصة &&
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا ) 46 سورة الكهف .
 تلك آية قرآنية كريمة من آيات رب العزة ، أخبرنا فيها أن المال والأبناء زينة الحياة الدنيا التي نحياها ، لكنها تكون دائماً زينة ناقصة ينقصها الكمال ، فالعمل الصالح أفضل عند الله عز وجل من الأبناء ومن المال الذي تمتلكه والذي هو أصلاً مال الله ، وما يدريك فقد يبتليك الله بولد عاق يقلب حياتك جحيماًِ مقيم ، وقد يرزقك بولد صالح بار بوالديه كما حدث مع صاحبي أسعد ، ذلك الموظف البسيط في العقد الخامس من عمره ، جاءني ذات ليلة والطمأنينة ونور الإيمان يشعان من وجهه قائلاً : 
أنعم الله عليّ بالزوجة الصالحة التي تزوجتها منذ 211 عاماٍ وأنجبنا ولدين وبنتين ، ولم تكن زوجتي تجيد القراءة والكتابة ، لكنها أستاذة في فن إدارة البيت وحسن معاملة الزوج والأبناء بما وهبها الله من عقل راجح وحب فطرى صادق لكل الناس ، بدأت حياتي الزوجية معها وأنا لا أحمل سوى 
 الشهادة الإعدادية وكافحت لاستكمال تعليمي وأنا زوج وأب حتي حصلت علي الشهادة الجامعية ، وتحسنت أحوالي الوظيفية إلي حد بعيد ، لكن المشكلة ألكبري هي أن الدخل ظل محدوداً كما هو ، فكنت أسعي للعمل بعد الظهر لأواجه نفقات الحياة ، خاصة بعد أن كبر الأولاد وتدرجوا في مراحل التعليم ، حيث التحق ابني الأكبر سعيد بإحدى الكليات النظرية وابنتي سعاد بكلية أخرى ، وقد وفقني الله في عملي بعد الظهر وازداد الدخل ، وكنت لا أحرم زوجتي وأبنائي من شيء ولا أبخل عليهم بشيء أستطيع عمله ، إلي أن جاء يوم وفقدت فيه عملي بالشركة الاستثمارية بعد الظهر ، وصاحب ذلك أن مرضت بالقلب فعجزت عن ممارسة أي عمل إضافي واقتصر دخل الأسرة علي مرتبي الضئيل من وظيفتي الأساسية ، وهنا اكتشفت الكنز الثمين الذي وهبني ورزقني إياه الله ، وهو ابني الأكبر سعيد ، ذلك الشاب المؤمن الذي لم يتذمر لتغير أحوالنا وهو في سن الشباب ومغرياته ومطالبه الكثيرة .......... فماذا فعل ؟!
لم يشك ابني سعيد من جفاف حياتنا وقلة مواردنا ، وإنما نهض من تلقاء نفسه  وبدون طلب مني أو من أمه للعمل في المعمار ، وذلك إلي جانب دراسته حتي يؤمن احتياجاته كطالب جامعي .
ولم ينس صلة الرحم بأمه وأخوته  فكان يبرهم بما يستطيع ويقدر ، وأصبح يذهب إلي كليته كل صباح ماشياً علي قدميه لمدة 40 دقيقة قبل أن يصل لمحطة الترام بالعتبة ويركبه لرخص تذكرته ، ثم يرجع من الكلية ماشياً علي قدميه
 كل المسافة ليوفر ثمن تذكرة العودة ، وكان إذا عمل مع المقاول ثلاثة أيام متتالية منح أخوته مصروفاً يومياً قبل ذهابهم لمدارسهم وكلياتهم ، وإذا أكرمه ربه بالعمل لمدة أسبوع كامل رجع الي البيت وهو في منتهي السعادة حاملا لامه وإخوته سندوتشات الكبدة ليعوّض لهم نقص البروتين في طعامهم .
 ويقوم بتصوير ما يلزمه من كتب جامعية توفيراً للنفقات ، وإذا اشترى لنفسه بنطلون أو قميص يسدد ثمنهم علي أقساط شهرية .
يفعل ذلك سعيداً راضياً  كأنه من مألوف حياته مع انه لم يكن معتادا علي ذلك من قبل ، فكان قبل مرضي وانقطاع مواردي المالية من الشركة الاستثمارية يعيش حياته بطريقة عادية جداً كأي تلميذ عادي يعتمد علي أبيه في كل شيء !
وعندما تغيرت الأحوال فجأة كان علي مستوى المسئولية وأكثر وعياً وتقديراً للظروف  والرضا عن حياتنا بلا سخط ولا تذمر ، حتي أنني كنت أشفق عليه من الشقاء والتعب وعندما أصارحه بذلك يغضب مني ويحتضنني في عطف قائلاً :
 ماذا ينقصنا يا أبي لكي تعرض صحتك للخطر وتعمل عمل إضافي ، نحن في حاجة إليك ... ماذا تريد من الدنيا يا أبي أكثر مما أعطتك وأكرمتك به ، فقد أعطتك أمنا الطيبة وأبنائك هؤلاء الأبرار الطيبين ؟
ساعتها يذرف الدمع من عيني فرحاً بولدي الصالح سعيد ، هذا الكنز الثمين ، وشكراً لله علي نعمته الجليلة .
 ويزداد شكري لله حين ألمس أنه ليس هناك من جيراننا من يشعر بتغيّر أحوالنا المادية حتى ليطرق بعض جيراننا بابنا من حين لآخر ليطلب قرضاً صغيراً يواجه به متطلبات الحياة حتى أول الشهر ؛ فلا أتردد بمساعدته علي قدر طاقتي وأشعر بالحرج الشديد إذا لم أستطع .
وإني لأرجو ( يقول أسعد ) كل الأبناء أن يبروا آبائهم ويكونوا عوناً لهم علي شدائد الحياة .
 تلك هي الحياة الدنيا يا صاحبي ، هي دار اختبار وابتلاء لعباد الله المؤمنين الصالحين ، ومن حسن حظ أسعد أن رزقه الله بولده الصالح سعيد ، فهو من الأشخاص الذين تهديهم فطرتهم السليمة إلي الواجب الإنساني والعائلي الذي يرون أنفسهم ملزمين به بغير أن يدعوهم أحد إليه أو يحثهم علي النهوض به .
 هؤلاء الأشخاص يكون دافعهم إلي أداء واجبهم هو الإحساس الأخلاقي السليم مع قوة الإيمان والعقيدة ، وعلي العكس منهم ترى شباب آخرين يتذمرون من أوضاعهم التي وجدوا أنفسهم فيها ويكونون دائمي الشكوى من أن الحياة قد فرضت عليهم هذه المسئولية الثقيلة بحكم أوضاعهم كأرشد الأبناء مثلاً ، نراهم يتجرعون عطائهم هذا ممزوجاً في حلوقهم بالمرارة والإحساس المهين والعجز الاضطراري عن رفضه .
 هنا تكثر المشكلات العائلية ويسود الأسرة جو من البغضاء والتشاحن بين أفرادها ، فهنيئاً لأسعد بولده سعيد ، ومبارك للابن دعاء أبيه له ولأمثاله ، فقد قيل قديما أن أجلّ نعم الله علي العباد هي نجابة الأبناء وصلاحهم وبرهم بذويهم وأمانتهم في الحياة عموماً ، وقيل أيضاً أنه ليس أقسي من ناب الحية الرقطاء سوي ابن جحود ،، وقانا الله شر جحود الأبناء ، وندعو جميع الأبناء الطيبين أن يبروا بآبائهم و
 أمهاتهم ، ويرحموهم في الكبر كما رحموهم في الصغر ، فليس أقسي علي النفس البشرية من الجحود وعقوق الوالدين ، مهما تكن ظروفك صعبة لا تسئ إلي أمك ..... إنها أمك ...إنها أمك اركض ونام تحت قدميها ، ساعتها ستشعر والله انك نمت في الجنة ، فالجنة تحت أقدام الأمهات !
لا تنده أمك بقولك أنتِ ، بل قل حضرتك ، قل أمي الحبيبة ، فالاحترام واجب بينك وبين أمك  ، أنت حين تحترمها تحترم نفسك ، وحين تهينها تهين نفسك ، وحين تحترم أبيك ؛ سيحترمك أولادك ، وكما تدين تُدان ...كما تدين تُدان ....كما تدين تُدان .
أحمد عبد اللطيف النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق