آخر نكتة معي من أربع ساعات :*بقلم وألوان :*خالد سليمان
**************************************************
هناك من يسرقنا باسم الله ولكن ماذا عسانا أن نفعل ؟!
استوقفتني سيّدة بملامحها البسيطة التي تعلوها الشكوى والحاجة ، فهي تريد مساعدة ما ، ومن غير اهتمام مني وضعت يدي في جيبي ؛ لأعطيها ما فيه نصيبها ، ولكنّها قالت إنها لا تطلب مالا ، إنها تريدني فقط أن أسمع ، وبعد ذلك أنا سأقرّر ،
بدأ الملل يغزو جوانحي ، وها هو الضيق يدوس بأقدامه المتوحشة على أنفاسي ، واختصرت الطريق عليها لأقول ؛ طيب طيب ماذا تريدين ؟ قالت : لست متسولة ، انظر فقط إلى الوصفات الطبيّة التي معي ، وأقسمتْ بالله أن أقرأ ، وظللت أقلّب أوراق متآكلة الأطراف ملصقة بشكل غير متقن ، وتظاهرت بالقراءة ، وأنا لا أريد أن أعرف شيئا ، وبينما أنا كذلك فوجئت بنظرة حادة منها كأنّها تقول اقرأ من فضلك ، وقالت : إنك لن تساعدني لأنك لم تقرأ جيدا ، اقرأ باين عليك ابن حلال وشكلك كده دكتور ، وأقسمت بالله جهد أيمانها أن أعرف حالتها ،
وتعجبت من الطريقة ، والحمد لله أنها طلبت منّي أن أقرأ ، لأنني بعد ورقتين اكتشفت أنه من المستحيل أن تكون هذه السيدة مريضة ، أو حتى مصابة بالمرض المدوّن في الأوراق ، أو حتى مرّ هذا المرض بها ، وبعد ملل شديد أصابتني حالة شغف بالقراءة ، ولما رأتني أقلب الأوراق باهتمام ، عزفت موسيقى تصويرية مليئة بالشكوى : اقرأ شوف اللي بيّ ، باين عليك دكتور ، أنا مريضة ومنكسرة ، اعطف عليّ ربنا يخليك ، واتّسعت ابتسامتي بشكل فضحني ؛
وخاصة حين قالت : حالتي تصعب على الكافر ، ومرضي خطير حارمني من النوم والراحة ، وهنا بدأت أضحك ؛ لأقطع عزفها الملل الباهت وأقول :
محال أن تكوني مصابة بهذه المرض ، وهي تقول : حرام عليك ، عارف البقعة التي على الورق هذه دموعي لما عرفت حالتي ، فقلت : يا سيدتي مستحيل تكون هذه دموعك ، فقالت بجرأة :
أنت لا تريد مساعدتي ، وتريد فقط السخرية مني ،
وهنا تدخّل تاجر فاكهة سخيف ليقول : أستاذ خالد ، هو أنت لازم تدقّق في كلّ حاجة ، ساعدها يا أخي وخلاص ، فضحكت أكثر ، ولا سيّما ونظرات من حولي تفترس هدوئي ،
وتدخّل آخر ، وبدأ صوتها يعلو : هات يا أستاذ الأوراق ، فقلت : مستحيل تكوني مريضة بالمرض الذي في تلك الأوراق ، هل تعرفين السبب ؟؟
فسكتت ولم تردّ ؛ لتعلو نبرات صوت صاحب الفاكهة السخيف ، والسبب إيه يا ضَكتور ، فضحكت من نطقه للدال ضادا في كلمة دكتور ، وزاد الموقف سخافة ضحكة هازئة منها ، فضحكت أكثر وقلت : أنت لست مريضة بهذا المرض لسبب وحيد ، هو أنّ هذا المرض خاص بالرجال ، وليس بالنساء ،
فضحك الحاضرون بطريقة عجيبة ، ونظرت إليها ؛ لأجدها ضاحكة بل غارقة في الضحك ، وهي تقول : (يخرب بيتك يا بيومي أنت يا وله أخذت ورقي وأنا أخذت ورقك ، يادي الفضيحة ، يا دي الكسوف) .
وضحكت ملء قلبي ، وهي اختفت من المشهد ، تاركة الواقفين في حالة ضحك عجيب .
بصراحة كنت صباحا في حالة حزن أليمة ، ولم يخرجني للسوق سوى رغبتي في ترك المكان ، وربّما تكون أناقة ملابسي هي التي وضعتني في هذا المشهد .
لكن حقيقة امتلأت روحي ابتهاجا وابتساما من مشهد رزقني الله به ؛ لأضحككم معي من أعماق قلوبكم ، فهل ضحكتم ؟؟!! .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق