الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

لغتنا الجميلة في الشعر و الأوزان الشعرية ـ بقلم خالد ع . خبازة

لغتنا الجميلة
في الشعر و الأوزان الشعرية
البحث الرابع
كنا تحدثنا في البحوث السابقة 
عن الشعر و تفعيلاته و أصوله التي أتى بها الفراهيدي و أن هذه الأصول مقسمة الى أسباب و أوتاد و فاصلة تحدثنا عنها تفصيلا .. كما تحدثنا عن الشعر بشكل عام و كيف نشأ أصلا على ألسنه الفصحاء العرب و ذكرنا لماذا تم تسميته قريضا كما سميت القصيدة و كيف سميت قافية .. الخ .. و تحدثنا عن المطالع و المطالع و عن مراتب الشعراء ...
و اليوم حديثنا سيكون في :
أولا : في اختراع المعاني و ابتكارها : 
قال الجاحظ : 
أجود الشعر ، ما رأيته متلاحم الأجزاء ، سهل المخارج ، فتعلم بذلك انه أفرغ افراغا جيدا ، و سبك سبكا واحدا ، فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان . 
و المخترع من الشعر ،هو ما لم يسبق اليه قائله و لا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره ، أو ما يقرب منه .. كقول امرئ القيس من الطويل و القافية من المتواتر :
سموت اليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالا على حال
فانه أول من طرق هذا المعنى و ابتكره ، و سلم الشعراء اليه ، فلم ينازعه أحد اياه . 
و قوله من الطويل أيضا و القافية من المتواتر :
كأن قلوب الطير رطبا و يابسا ... لدى وكرها العناب و الحشف البالي
و ما زالت الشعراء تخترع و تولد .. 
و التوليد أن يستخرج الشاعر معنى من معنى لشاعر تقدمه ، أو يزيد زيادة .. لذلك يسمى بالتوليد ، و ليس بالاختراع . و لا يمكن اعتبار ذلك سرقة 
كقول امرئ القيس :
سموت اليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالا على حال
فقال عمر بن أبي ربيعة من السريع و القافية من المتدارك :
فاسقط علينا كسقوط النوى ... ليلة لا ناه و لا زاجر
فولّد معنى مليحا اقتدى به بمعنى امرئ القيس دون أن يشركه بشيء من لفظه ، أو ينحو نحوه الا في المحصول ، وهو لطف الوصول الى حاجته في خفية . 
و أما الذي فيه زيادة فكقول جرير يصف الخيل من البسيط و القافية من المتواتر :
يخرجن من مستطير النقع دامية ... كان آذانها أطراف أقلام
فقال عدي بن الرقاع يصف قرن الغزال من الكامل و القافية من المتدارك :
تزجي أغن كأن ابرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها
فولد بعد ذكر القلم ، اصابته مداد الدواة ، بما يقتضيه المعنى .، اذ كان لون قرن الغزال أسودا .
بين اختراع المعنى و الابداع : 
و الفرق بين الاختراع و الابداع - و ان كان معناهما في العربية واحدا - أن الاختراع خلق للمعاني التي لم يسبق اليها .. و الاتيان بما لم يكن منها قط ؛ و الابداع اتيان الشاعر بالمعنى المستظرف ، الذي لم تجر العادة بمثله ، ثم لزمته هذه التسمية حتى قيل له بديع . و ان كثر و تكرر ، فصار الابداع للمعنى و الاختراع للفظ ؛ فان تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترع و لفظ بديع ، فقد استولى على الأمد ، و حاز قصب السبق . 
ثانيا : المجـــاز : 
كثيرا ما استعملت العر ب المجاز ، وكانت تعده من مفاخرها ، فانه دليل الفصاحة ، و رأس البلاعة ، و به بانت لغتها عن سائر اللغات . 
و معنى المجاز .. طريق القول و مأخذه . و هو مصدر جزت مجازا .. كما تقول قمت مقاما ، و قلت مقالا . 
و المجاز في كثير من الكلام أبلغ من الحقيقة ، و أحسن موقعا في القلوب و الأسماع . و صار التشبيه و الاستعارة و الكناية و غيرهما من محاسن الكلام ، داخلة تحت مفهوم المجاز
قال جرير بن الخطفي من الوافر و القافية من المتواتر :
اذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه و ان كانوا غضابا
أراد المطر لقربه من السماء . و يجوز أن يريد بالسماء السحاب ، لآن كل ما أظلك فهو سماء ، و قال سقط .. يريد سقوط المطر الذي فيه .. و قال رعيناه ، و المطر لا يرعى و لكن النبت الذي يكون عنه ، فهذا كله مجاز . 
و مثال على المجاز أيضا قوله تعالى :
" و اسأل القرية " .. أي اسأل أهل القرية 
و قوله تعالى : 
" و أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم " . 
و قوله :
" و الله خير الماكرين " و انما سمى ذلك مكرا لأنه مجازاة عن مكر . 
و كذلك قوله :
" فبشرهم بعذاب أليم " .. و العذاب لا يبشر به . 
و قوله تعالى عن آدم و حواء :
" فلما تغشاها " كناية عن الجماع .
و من أناشيد هذا الباب قول الفرزدق من الكامل و القافية من المتواتر :
و الشيب ينهض في الشباب كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار
و العرب تقول : بأرض فلان شجر قد صاح .. أي طال .
و قال ابن السكيت : 
لما تبين الشجر بطوله ، و طل على نفسه ، فكأنه صائح ، الصائح يدل على نفسه . 
و القرآن الكريم و الشعر العربي زاخران بأمثال ذلك من المجازات الرائعة .
...............
خالد ع . خبازة 
من كتاب " العمدة " لابن رشيق و غيره من كتب التراث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق