لغتنا الجميلة
في الشعر و الأوزان الشعرية
البحث الثالث
كنا تحدثنا
عن الشعر و تفعيلاته و أصوله التي أتى بها الفراهيدي و أن هذه الأصول مقسمة الى أسباب و أوتاد و فاصلة تحدثنا عنها تفصيلا .. كما تحدثنا عن الشعر بشكل عام و كيف نشأ أصلا على ألسنه الفصحاء العرب و ذكرنا لماذا تم تسميته قريضا كما سميت القصيدة و كيف سميت قافية .. الخ ..
و الآن نتحدث عن :
الشعر و أقسامه و أنواع الشعراء
سمى العرب الشاعر باسم شاعر لآنه يشعر بما لا يشعر به غيره
و كان العرب يسمون قصائدهم : الحوليات ، و المقلدات ، و المنقحات ، و المحكمات .. ليصير قائلها فحلا خنديذا ، و شاعرا مفلقا ..
و في بيوت الشعر : الأمثال و الأوابد ، و منها الشواهد و الشوارد .
ومن الذين دعوها بالشوارد
الحصين بن الحمام .. يقول من المتقارب :
و قافيــة غير معمـــــورة ... قرضت من الشعر أمثالها
شرود تجوّل في الخافقين ... اذا أنشِدت قيـــل من قالها
و في الأوابد ، قال المزرد الغطفاني وهو الأخ الأكبر للشماخ من الطويل و القافية من المتدارك :
زعيم لمن فارقتـــــه بأوابد ... يغني بها الساري و تحدي الرواحلُ
تكر فلا تزداد الا استنارة ... اذا رازت الشعر الشفاه العوامـــــلُ
ومنهم من سماها بالشواهد .. قال الفرزدق :
شاهدي في بيـــان موتك بيت ... قاله شاعر من الشعراء
ليس من مات فاستراح بميت ... انما الميت ميت الأحياء (*)
و الشعراء عندهم أربع طبقات : فأولهم الفحل الخنديذ ، و الخنذيذ هو التام
قال رؤبة بن العجاج :
الفحول هم الرواة ، و دون الفحل الخنذيذ الشاعر المفلق ، و دون ذلك الشاعر فقط ، و الرابع الشعرور . و لذلك قال أحدهم في هجاء أحد الشعراء :
يا رابع الشعراء كيف هجوتني ... و زعمت أني مفحم لا أنطق
و سمع بعض العلماء يقول : الشعراء ثلاثة .. شاعر و شويعر و شعرور .
و الخنذيذ هو الذي يجمع الى جودة شعره ، رواية الشعر الجيد من شعر غيره .
و الشاعر المفلق وهو الذي لا رواية له .. الا أنه مجود في شعره كالخذيذ في شعره ..
و الشاعر فقط هو فوق الرديء بدرجة ..
و الشعرور هو لا شيء .
و قيل بل هم شاعر مفلق و شاعر مطلق و شويعر .
و المفلق هو الذي يأتي بشعره بالفلق و هو العجب .
و قد أبدى كثير من الشعراء في بعض قصائده أو في أبيات معنى الشعر الحقيقي و ميزه عن النظم و غيره ..
فالحطيئة قد أبدى رأيه بالشعر معتبرا اياه أنه من الصعب الوصول اليه خاصة بلنسبة للمرء الذي يحاوله دون أن يكون عالما به و بأساليبه و أوزانه و قوافيه و مقوماته .. فلا بد أن تنزلق به قدمه .. يقول
الشعر صعب و طويل سلمه ... اذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به الى الحضيض قدمه ... و الشعر لا يسطيعه من يظلمه
يريد أن يعربه فيعجمه
وقسم بعضهم الشعراء الى أنواع أربعة . يقول أحدهم :
الشعراء فاعلمنّ أربعة ... فشاعر يجري و لا يجرى معه
و شاعر من حقه أن ترفعه ... و شاعر يحوم حول المعمعة
و شاعر لا تستحي أن تصفعه .
و الشعر بناء يبنيه الشعراء .. فاما أن يكون شعرا حقا .. أو يكون غثا لا روح فيه .. و قد يمتنع على قائله حتى يأتي شيء يطربه ، أو يثير فيه شجنا .. يقول أحدهم :
انما الشعر بناء ... يبتنيه المبتنونا
فاذا ما نسقوه ... كان غثا أو سمينا
ربما واتاك حينا ... ثم يستصعب حينا
و أساس ما يكون الشعر ، في أول الليل قبل الكرى أو في أول النهار قبل الغداء ، و عند مفاجأة النفس و اجتماع الفكر .
و من طرائف بشار بن برد .. قيل ان أحد الشعراء جاءه يعرض عليه قصائده ليبدي رأيه فيها .. فقال له :
يا ابن أخي الشعراء ثلاثة .. فشاعر و شويعر و ابن زانية .. فأما أنا فشويعر .. و أما الباقي فاقتسمه بينك و بين امرئ القيس .
قال الطرماح يوما للفرزدق : ألست القائل :
ان الذي سمك السماء بنى لنا ... دعائمه أعز و أطول
أعز مماذا و أطول مماذا ؟
و أذن المؤذن في حينه .. فقال الفرزدق : يا لكع ! ألا تسمع ما يقول المؤذن : الله أكبر مماذا .. أعظم مماذا ؟ّ
فانقطع الطرماح انقطاعا فاضحا
و سأل رسول الله صلى عليه و سلم العلاء بن الحصين : هل تروي من الشعر شيئا ؟
فأنشد :
حي ذوي الأضغان تسبِ عقولهم ... تحيتك الحسنى و قد يرفع النعلْ
فان دحسوا بالكره فاعف تكرما ... و ان خنسوا عنك الحديث فلا تسلْ
فان الذي يؤذيك منه سماعه ... و ان الذي قالوا وراءك لم يقلْ
فقال عليه الصلاة و السلام : ان من الشعر لحكما .. و روي : لحكمة .
في الشعر مقاطعه و مطالعه
في المقاطع و المطالع :
كان جهابذة النقاد اذا وصفوا قصيدة قالوا : حسنة المقاطع ، جيدة المطالع . أي أن يكون مقطع البيت وهو القافية متمكنا غير قلق و لا متعلقا بغيره . و المطلع و هو أول البيت ، جودته أن يكون دالا على ما بعده ، كالتصدير و ما شاكله .
و الشعر أوله مفتاحه ..
و على الشاعر أن يجود ابتداء شعره ، لأنه أول ما يقرع السمع . و منه يستدل على ما عنده من أول وهلة .
الخروج :
الخروج هو عند البعض شبيه بالاستطراد ، و ليس كذلك . و الخروج أن تخرج من نسيب الى مدح أو غيره ، بلطف نحيل ثم تتمادى فيما خرجت .. و هو ما يسمى بحسن التخلص .
الانتهاء
أما الانتهاء فهو قاعدة القصيدة و آخر ما يبقى منها في الأسماع ، و سبيله أن يكون محكما ، لا تمكن الزيادة عليه ، و لا يأتي بعده أحسن منه ، و اذا كان أول الشعر مفتاحا له ، وجب أن يكون الآخر قفلا عليه .
و قد أربى أبو الطيب على كل شاعر في جودة هذه الأبواب الثلاثة .
و من العرب من يختتم القصيدة فيقطعها و النفس بها معلقة ، و فيها راغبة مشتهية ، و يبقى الكلام مبتورا كأنه لم يتعمد جعله خاتمة
..............
خالد ع . خبازة
من كتب التراث ، مع التصرف زيادة و نقصانا .
(*) البيت لابن الرعلاء .. شاعر جاهلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق