الجزء الثالث
أنصرف أكرم ومعه مصطفى سريعاً من الإدارة وركبا سيارة أكرم حيث كان المصنع الذى يعمل فيه إبن الرجل المتوفى - أسامة - فى أحد المناطق البعيدة عن السكان فى مدينة العبور وماهى إلا ساعة أو يزيد وقد وصلا إلى المكان وتوقفا أمام الباب وطلب أكرم من الحارس الموجود على الباب الدخول للمصنع بعد أن كشفا عن هويتهما وبالفعل سمح لهما الحارس بعد أن أبلغ صاحب المصنع بتواجدهما فى المكان ونزل مسرعاً لإستقبالهما وسألهما عن السبب لتواجدهما فى المصنع وأنه يعمل فى نزاهة ولا يوجد أى مخالفة عليه ، ابتسم أكرم وأخرج من جيبه صورة - أسامة - وقال له : أريد رؤية هذا الرجل الآن أو لتأتى معى لمكان عمله ، أخذهما صاحب المصنع وهو يسألهما عن الذى فعله فأجاب أكرم عليه : لا تقلق مجرد بعض الأسئلة العادية ، وهنا دخلوا جميعا إلى صالة كبيرة بها الكثير من الأشياء والمعدات والآلات الخاصة بنشاط المصنع ، ولفت إنتباه أكرم نوعية الحبال المدلاة من السقف وتحمل بعض الأجولة وأيضا نوعية الأكياس البلاستيكية الموجودة فى هذا المكان ،ونادى الرجل على أسامة فألتفت إليهم أحد الرجال من بعيد وأتى لصاحب المصنع فى هدوء مع خطوات قدميه البطيئة وسار فى إتجاههم وهو ينظر إليهم فى ترقب وحذر وحينما وصل إليهم مد أكرم يديه ليصافحه وهو يعرفه بنفسه فبدأ الإرتباك على وجهه وهو يتسائل عن سبب تواجد أكرم هنا وماذا يمكن أن يقدم له ؟ تركهم صاحب المصنع وأنصرف بعد أن طلب من أكرم ومصطفى تناول الشاى فى مكتبه قبل أن ينصرفا من المكان ، أخذ أكرم أسامة بعيداً قليلاً وسأله عن والده رحمه الله عليه وكيف كانت الحياة قبل وفاته وهل سمع منه شيئا أو عرف منه شيئا خلال فترة عمله قبل وفاته ؟ نظر أسامة إلى أكرم فى حذر وهو يقول له : لقد كان هذا منذ عدة سنوات ولقد قلت وقتها للشرطة آنذاك كل ما أعرف وكل ما كان والدى يحكيه لى وليس عندى ما أقوله لكم يا سيدى ، وقبل أن يكمل أسامة الكلام ، سمع أكرم صوتاً يأتى من خلفه يقول : ماذا يحدث يا أسامة ؟ التفت أكرم فوجد رجلاً رياضياً يرتدى معطفاً أزرق اللون نفس اللون الذى يرتديه أسامة فقال له : لا شيئ يا أحمد لا يوجد شيئ ! نظر إليه أكرم فى عناية وسأل أسامة من أحمد هذا ؟ قال له أسامة إنه أحمد زميله وصديقه منذ الطفولة وجاره أيضاً ويعمل معه فى نفس المصنع منذ سنوات وقال أسامة لأحمد : أنه الرائد أكرم من المباحث يا أحمد وقد حضر ليسألنى بعض الأسئلة عن والدى رحمه الله لا تقلق لا يوجد شيئ مجرد أسئلة عادية ، قال أكرم موجهاً الكلام إلى أحمد وما الذى يعنيك أنت لكى تتحدث هنا ؟ رد أحمد بعصبية : لأنى أنا صديقه المقرب وجاره وأكتر من يخاف عليه ، فأنت ترى بوضوح أن حركته بطيئة وأنا من أساعده فى كل شيئ هنا ، تبسم أكرم وقال له فى هدوء : نعم الأخ والصديق أنت يا أحمد لقد عرفت ما أريد معرفته من أسامة ولم يعد عندى أى إستفسار آخر وسأرحل الآن ولكنى قد أحتاج إلى أسامة فى أى وقت ولكن حينها سيأتى إلى مكتبى هناك فى مديرية الأمن ، والتفت أكرم ومصطفى وانصرفوا من المكان وبعد أن ابتعدوا قال مصطفى لأكرم : هل وجدت ما تبحث عنه يا أكرم ؟ نظر له أكرم وقال له بنسبة كبيرة يا مصطفى بنسبة كبيرة جدا!! تحرك أكرم ومصطفى خارج المصنع وقاد مصطفى السيارة وأكرم يفكر فى صمت وكل فترة ينظر إليه مصطفى دون أن يتحدث فهو يعرف جيداً أنه يفكر ولا يريد قطع تركيزه ومضى الوقت فى الطريق وبدأ الزحام يطبق عليهما وقبل أن يصلا إلى الشارع المؤدى إلى مكتبه نطق أكرم بكلمة واحدة : أحمد !! أحمد يا مصطفى أريد تقريراً وافيا وكل شيئ عن أحمد هذا يا مصطفى وأريد مراقبته أيضا ، ظهرت الدهشة على وجه مصطفى وقال له: لماذا أحمد وليس أسامة يا أكرم ؟ قال له : سأخبرك حينما نصل إلى المكتب يا مصطفى فانا توصلت الآن لسبب القتل ولمن قتل أيضا يا مصطفى ، أريد تقريراً مفصلاً عن أحمد هذا يكون على مكتبى وأعدك فى الغد سنغلق ملف هذه القضية ، وصل أكرم إلى مبنى المديرية وترك مصطفى ليكمل ما طلبه منه ودخل لمكتبه سريعاً فدخل خلفه الساعى وسأله : هل تشرب شيئا يا أكرم باشا ؟ نظر إليه أكرم وقال فى هدوء: لا يا عم فوزى أشكرك ، وجلس خلف مكتبه وبدأ فى ترتيب الأفكار والأحداث ويراجع فى عقله كل ما مر به منذ أن أسندوا إليه هذه القضية وراح يراجع كل التفاصيل فى عقله بدقة شديدة استغرق أكثر من ساعة وهو على هذا الوضع ، ثم وقف ورفع سماعة الهاتف وتحدث إلى العميد راشد وطلب منه الإذن فى إستصدار أمر من النيابة بالقبض على أحمد وأسامة اليوم فهو لا يريد الإنتظار للمعلومات التى طلبها من مصطفى فأخبره بأن الإذن سيكون فى يديه بعد قليل ووضع سماعة الهاتف وطلب أكرم مصطفى على هاتفه المحمول وأخبره بأن هناك فى الطريق قوة من الأمن للقبض على أحمد وأسامة سويا وإحضارهما إلى المديرية على وجه السرعة، وأخبره بأنه سيوضح له كل شيئ حينما يأتى بهما إلى مكتبه وأغلق الهاتف وجلس ينتظر بفارغ الصبر حضور مصطفى وهو فى قمة حماسه وقد توصل إلى الحل تقريبا لهذا اللغز الذى إحتار فيه منذ أيام منذ أن تم تكليفه به ومضى الوقت ببطئ شديد وهو ينظر إلى ساعته وسمع طرقات على الباب ورأى مصطفى وهو يدخل للمكتب ومعه أسامة وأحمد ومكبلين بالقيود وألتفت إليهما أكرم وهو يقول لأسامة : إحترت كثيرا فى أمرك وتوقعت أن تكون أنت من قتل لأجل الثأر من الناس التى قتلت أبيك ولكنى حينما رأيتك عرفت أنك لن تستطيع فعل أى شيئ لضالة جسدك مع صعوبة الحركة فى قدميك وإن لم يأتى أحمد اليوم فى المصنع ليسأل عنا وقتها لكنت رفضت الفكرة تماماً وكنت سأبحث عن دليل آخر ولا أدرى إلى متى كنت سأظل أبحث عنه فكما كنا نسمع دائما فى حكايات الأطفال (المخ والعضلات ) كان هناك الكثير من الأطفال فى الماضى فى اللعب يكون أحدهم ضعيف البنيان ولكنه يملك من الذكاء الكثير فيصبح العقل وهناك من يكون وقى البنية ويقال عنه العضلات وهو من ينفذ للعقل ما يريد ,فما رأيك هل ستعترف يا أسامة أم تريد منى أن أخبرك بكل شيئ ؟ كانت لهجة أكرم وطريقة حديثه فيها الكثير من الصرامة التى جعلت أسامة ينهار ويبدأ فى البكاء وهو يقول لأكرم : سأقول على كل شيئ سأعترف لك بكل شيئ يا سيدى ، فصرخ أحمد ماذا تقول يا غبى لا يوجد دليل ضدك لقد كشفت كل شيئ اسكته مصطفى بصفعة على وجهه ونظر أكرم إلى أسامة وقال له : أنا أسمعك تكلم لن أقاطعك ، ونظر إلى أحمد وقال لمصطفى : خذوه الى الحجز الآن فلم يعد له فائدة عندى وأعرف أنه سيؤكد كل كلام أسامة ، نظر أحمد فى إنكسار وهو يتجه خارج الغرفة ويقول : لقد إنتهى كل شيئ ولم يعد هناك داعى للإنكار وخرج به مصطفى سريعاً وبقى أكرم مع أسامة وجلس أمامه ليستمع منه ، قال أسامة : إن أبى كان عاملا بسيطاً ولقد ربانا على قدر إستطاعته بعد أن رحلت والدتى ونحن صغار ولقد كان يحكى لى دائما عن عمله المرهق جدا ولكنه لم يكن يشكو حتى كبرت وبدأت العمل لأساعده ولكن مرضى منعنى من العمل بشكل جيد نظراً لصعوبة الحركة فى قدمى وبالتالى وافقت على العمل مع صديقى وجارى أحمد فى مصنع لأدوات الصيد والبلاستيك وكان أحمد بالفعل نعم الأخ والصديق كان بساعدنى فى كل شيئ فى العمل ومنذ كنا أطفالاً كان دائم اللعب معى وكان يأخذ لى حقى من الأطفال حين تسخر منى ومن قدمى ومن هنا صار أحمد أكثر من أخ عندى وكنا سويا فى كل الاوقات عنده فى المنزل أو عندى وكان والده متوفى وكان يعتبر أبى مثل والده بالظبط ، لذا لم يتأخر حينما فكرت ورتبت لقتل من قتلوا أبى وبدأ صوته يعلو والدموع تغرق عينيه بالفعل هم من قتلوا أبى ، لأن أبى كان يحكى لى كثيراً عن هؤلاء الناس وأنه فى يوم من الأيام وهو ينظف أحد مكاتبهم وجد أحد موظفى شركات التأمين وهو يقوم بعمل بوليصة للتأمين على المول التجارى وبالطبع هو سمع منهم الكلام لأنه لم يكن يعرف الكتابة أو القراءة ولأجل حظه السيئ بعدها بيوم كان ينظف الحمام الخاص بصاحب المول ولم يكن يعرف أن أبى بالداخل وسمعهم أبى وهم يتحدثون عن عمل حريق هائل فى المول التجارى لتفادى العيوب الفنية فى التصميمات الهندسية التى كان أحد المهندسين والمقاولين كانوا قد أتموها بالفعل ولطيبة قلبه خرج أبى من الحمام ورآه مدير المول هو ومن معه وأخذوا يسألونه عن الذى سمعه فقال لهم : أنا لم أسمع شيئا خوفاً من طرده أو عمل أى شيئ فيه وبالفعل كان شكه فى محله فأمره المدير بالإنصراف على أن يأتى فى الليل لأنه فى الغد سيحضر عدد من المسئولين الكبار بالدولة لمشاهدة المول ويريد أن يكون المكان على أفضل ما يكون وأن هناك الكثير من العمل ولا بد من إنجازه اليوم وحينما عاد أبى حكى لى كل شيئ وأخبرنى بأنه يخاف من هؤلاء الناس وأنه سيذهب اليوم وفى الغد سيترك هذا العمل ولكن للأسف كان هذا هو آخر يوم له فى الحياة وليس العمل فقد إتفق المدير ومعاونيه على إحداث الحريق فى هذا اليوم ومعه قتل أبى حتى لا ينكشف سرهم فى يوم من الأيام و حينما علمت بالخبر من الناس أسرعت إلى المول ولكن حينما وصلت كان قد مات أبى قبل أن ينقل للمستشفى و بعدها أتى لمنزلنا مدير المول ليعرض علينا بعض المال ولم يكن يدرى أن أبى قد روى لى كل شيئ فشكرته ولم نأخذ منه شيئا ولكنى يومها قررت الإنتقام والترتيب لقتله هو وكل من شاركه فى هذا المول الذى كان مقبرة والدى واتفقت مع أحمد بعد أن حكيت له كل ما قال لى أبى وكما رأيت فهو أشد منى فى البنيان وجسمه الرياضى هذا ساعده كثيرا ً فى تنفيذ المخطط الذى قمت بترتيبه بنفسى ، وقومت بالإتصال بهم كلا على حدا وفى أوقات متوالية وقمنا بقتلهم جميعا هذا كل شيئ يا سيدى ولكنى لست نادماً على ما فعلت فهذا هو الثأر لوفاة أبى الذى مات بسببهم وإى إنسان فى موقفى كان ليفعل هذا ! سكت أسامة وقام أكرم من كرسيه وقال له : لو كل إنسان فعل مثلما فعلت أنت لأنقلبت الدنيا إلى غابة لا أنكر أنى متعاطف مع قصتك جدا ولكن القانون لا يعرف العواطف لقد دبرت وشاركت فى خمس جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد وهذه الجريمة عقوبتها الإعدام ، نادى أكرم على العسكرى بالخارج وطلب منه أن يأخذ أسامة إلى الحجز وبعد أن إنصرف رفع سماعة الهاتف وأخبر العميد راشد بإنتهاء القضية المكلف بها وإنه فى الصباح سيتم عرض المتهمين على النيابة وبهذا يكون قد تم إعلاق هذه القضية إلى الأبد ، أنهى المكالمة أكرم ودخل عليه مصطفى فقال له : الآن تستطيع أن تنام وترتاح فلقد إنتهت القضية ، ضحك مصطفى قائلاً : وهل من يعمل فى هذه الوظيفة يستطيع أن ينام أو يرتاح يا أكرم ؟ رد أكرم أنا عن نفسى سأطلب إجازة لمدة أسبوع لأرتاح فيها فأنا لا أعرف شيئاً عن أسرتى ، هيا بنا الآن لنعود إلى منازلنا وفى الغد نغلق تماماً هذه القضية ، وفى صباح اليوم التالى تم عرض المتهمين على النيابة وتم توجيه تهمة القتل العمد مع الإصرار والترصد لهما وإحالتهما إلى المحكمة ، وبعد أسبوعين تم الحكم عليهما بإحالة أوراقهما إلى المفتى وبعد تنفيذ الحكم ببضعة أيام تم ترقية الرائد أكرم إلى رتبة المقدم لتفانيه وإخلاصه وكفائته فى العمل ....
النهاية
أنصرف أكرم ومعه مصطفى سريعاً من الإدارة وركبا سيارة أكرم حيث كان المصنع الذى يعمل فيه إبن الرجل المتوفى - أسامة - فى أحد المناطق البعيدة عن السكان فى مدينة العبور وماهى إلا ساعة أو يزيد وقد وصلا إلى المكان وتوقفا أمام الباب وطلب أكرم من الحارس الموجود على الباب الدخول للمصنع بعد أن كشفا عن هويتهما وبالفعل سمح لهما الحارس بعد أن أبلغ صاحب المصنع بتواجدهما فى المكان ونزل مسرعاً لإستقبالهما وسألهما عن السبب لتواجدهما فى المصنع وأنه يعمل فى نزاهة ولا يوجد أى مخالفة عليه ، ابتسم أكرم وأخرج من جيبه صورة - أسامة - وقال له : أريد رؤية هذا الرجل الآن أو لتأتى معى لمكان عمله ، أخذهما صاحب المصنع وهو يسألهما عن الذى فعله فأجاب أكرم عليه : لا تقلق مجرد بعض الأسئلة العادية ، وهنا دخلوا جميعا إلى صالة كبيرة بها الكثير من الأشياء والمعدات والآلات الخاصة بنشاط المصنع ، ولفت إنتباه أكرم نوعية الحبال المدلاة من السقف وتحمل بعض الأجولة وأيضا نوعية الأكياس البلاستيكية الموجودة فى هذا المكان ،ونادى الرجل على أسامة فألتفت إليهم أحد الرجال من بعيد وأتى لصاحب المصنع فى هدوء مع خطوات قدميه البطيئة وسار فى إتجاههم وهو ينظر إليهم فى ترقب وحذر وحينما وصل إليهم مد أكرم يديه ليصافحه وهو يعرفه بنفسه فبدأ الإرتباك على وجهه وهو يتسائل عن سبب تواجد أكرم هنا وماذا يمكن أن يقدم له ؟ تركهم صاحب المصنع وأنصرف بعد أن طلب من أكرم ومصطفى تناول الشاى فى مكتبه قبل أن ينصرفا من المكان ، أخذ أكرم أسامة بعيداً قليلاً وسأله عن والده رحمه الله عليه وكيف كانت الحياة قبل وفاته وهل سمع منه شيئا أو عرف منه شيئا خلال فترة عمله قبل وفاته ؟ نظر أسامة إلى أكرم فى حذر وهو يقول له : لقد كان هذا منذ عدة سنوات ولقد قلت وقتها للشرطة آنذاك كل ما أعرف وكل ما كان والدى يحكيه لى وليس عندى ما أقوله لكم يا سيدى ، وقبل أن يكمل أسامة الكلام ، سمع أكرم صوتاً يأتى من خلفه يقول : ماذا يحدث يا أسامة ؟ التفت أكرم فوجد رجلاً رياضياً يرتدى معطفاً أزرق اللون نفس اللون الذى يرتديه أسامة فقال له : لا شيئ يا أحمد لا يوجد شيئ ! نظر إليه أكرم فى عناية وسأل أسامة من أحمد هذا ؟ قال له أسامة إنه أحمد زميله وصديقه منذ الطفولة وجاره أيضاً ويعمل معه فى نفس المصنع منذ سنوات وقال أسامة لأحمد : أنه الرائد أكرم من المباحث يا أحمد وقد حضر ليسألنى بعض الأسئلة عن والدى رحمه الله لا تقلق لا يوجد شيئ مجرد أسئلة عادية ، قال أكرم موجهاً الكلام إلى أحمد وما الذى يعنيك أنت لكى تتحدث هنا ؟ رد أحمد بعصبية : لأنى أنا صديقه المقرب وجاره وأكتر من يخاف عليه ، فأنت ترى بوضوح أن حركته بطيئة وأنا من أساعده فى كل شيئ هنا ، تبسم أكرم وقال له فى هدوء : نعم الأخ والصديق أنت يا أحمد لقد عرفت ما أريد معرفته من أسامة ولم يعد عندى أى إستفسار آخر وسأرحل الآن ولكنى قد أحتاج إلى أسامة فى أى وقت ولكن حينها سيأتى إلى مكتبى هناك فى مديرية الأمن ، والتفت أكرم ومصطفى وانصرفوا من المكان وبعد أن ابتعدوا قال مصطفى لأكرم : هل وجدت ما تبحث عنه يا أكرم ؟ نظر له أكرم وقال له بنسبة كبيرة يا مصطفى بنسبة كبيرة جدا!! تحرك أكرم ومصطفى خارج المصنع وقاد مصطفى السيارة وأكرم يفكر فى صمت وكل فترة ينظر إليه مصطفى دون أن يتحدث فهو يعرف جيداً أنه يفكر ولا يريد قطع تركيزه ومضى الوقت فى الطريق وبدأ الزحام يطبق عليهما وقبل أن يصلا إلى الشارع المؤدى إلى مكتبه نطق أكرم بكلمة واحدة : أحمد !! أحمد يا مصطفى أريد تقريراً وافيا وكل شيئ عن أحمد هذا يا مصطفى وأريد مراقبته أيضا ، ظهرت الدهشة على وجه مصطفى وقال له: لماذا أحمد وليس أسامة يا أكرم ؟ قال له : سأخبرك حينما نصل إلى المكتب يا مصطفى فانا توصلت الآن لسبب القتل ولمن قتل أيضا يا مصطفى ، أريد تقريراً مفصلاً عن أحمد هذا يكون على مكتبى وأعدك فى الغد سنغلق ملف هذه القضية ، وصل أكرم إلى مبنى المديرية وترك مصطفى ليكمل ما طلبه منه ودخل لمكتبه سريعاً فدخل خلفه الساعى وسأله : هل تشرب شيئا يا أكرم باشا ؟ نظر إليه أكرم وقال فى هدوء: لا يا عم فوزى أشكرك ، وجلس خلف مكتبه وبدأ فى ترتيب الأفكار والأحداث ويراجع فى عقله كل ما مر به منذ أن أسندوا إليه هذه القضية وراح يراجع كل التفاصيل فى عقله بدقة شديدة استغرق أكثر من ساعة وهو على هذا الوضع ، ثم وقف ورفع سماعة الهاتف وتحدث إلى العميد راشد وطلب منه الإذن فى إستصدار أمر من النيابة بالقبض على أحمد وأسامة اليوم فهو لا يريد الإنتظار للمعلومات التى طلبها من مصطفى فأخبره بأن الإذن سيكون فى يديه بعد قليل ووضع سماعة الهاتف وطلب أكرم مصطفى على هاتفه المحمول وأخبره بأن هناك فى الطريق قوة من الأمن للقبض على أحمد وأسامة سويا وإحضارهما إلى المديرية على وجه السرعة، وأخبره بأنه سيوضح له كل شيئ حينما يأتى بهما إلى مكتبه وأغلق الهاتف وجلس ينتظر بفارغ الصبر حضور مصطفى وهو فى قمة حماسه وقد توصل إلى الحل تقريبا لهذا اللغز الذى إحتار فيه منذ أيام منذ أن تم تكليفه به ومضى الوقت ببطئ شديد وهو ينظر إلى ساعته وسمع طرقات على الباب ورأى مصطفى وهو يدخل للمكتب ومعه أسامة وأحمد ومكبلين بالقيود وألتفت إليهما أكرم وهو يقول لأسامة : إحترت كثيرا فى أمرك وتوقعت أن تكون أنت من قتل لأجل الثأر من الناس التى قتلت أبيك ولكنى حينما رأيتك عرفت أنك لن تستطيع فعل أى شيئ لضالة جسدك مع صعوبة الحركة فى قدميك وإن لم يأتى أحمد اليوم فى المصنع ليسأل عنا وقتها لكنت رفضت الفكرة تماماً وكنت سأبحث عن دليل آخر ولا أدرى إلى متى كنت سأظل أبحث عنه فكما كنا نسمع دائما فى حكايات الأطفال (المخ والعضلات ) كان هناك الكثير من الأطفال فى الماضى فى اللعب يكون أحدهم ضعيف البنيان ولكنه يملك من الذكاء الكثير فيصبح العقل وهناك من يكون وقى البنية ويقال عنه العضلات وهو من ينفذ للعقل ما يريد ,فما رأيك هل ستعترف يا أسامة أم تريد منى أن أخبرك بكل شيئ ؟ كانت لهجة أكرم وطريقة حديثه فيها الكثير من الصرامة التى جعلت أسامة ينهار ويبدأ فى البكاء وهو يقول لأكرم : سأقول على كل شيئ سأعترف لك بكل شيئ يا سيدى ، فصرخ أحمد ماذا تقول يا غبى لا يوجد دليل ضدك لقد كشفت كل شيئ اسكته مصطفى بصفعة على وجهه ونظر أكرم إلى أسامة وقال له : أنا أسمعك تكلم لن أقاطعك ، ونظر إلى أحمد وقال لمصطفى : خذوه الى الحجز الآن فلم يعد له فائدة عندى وأعرف أنه سيؤكد كل كلام أسامة ، نظر أحمد فى إنكسار وهو يتجه خارج الغرفة ويقول : لقد إنتهى كل شيئ ولم يعد هناك داعى للإنكار وخرج به مصطفى سريعاً وبقى أكرم مع أسامة وجلس أمامه ليستمع منه ، قال أسامة : إن أبى كان عاملا بسيطاً ولقد ربانا على قدر إستطاعته بعد أن رحلت والدتى ونحن صغار ولقد كان يحكى لى دائما عن عمله المرهق جدا ولكنه لم يكن يشكو حتى كبرت وبدأت العمل لأساعده ولكن مرضى منعنى من العمل بشكل جيد نظراً لصعوبة الحركة فى قدمى وبالتالى وافقت على العمل مع صديقى وجارى أحمد فى مصنع لأدوات الصيد والبلاستيك وكان أحمد بالفعل نعم الأخ والصديق كان بساعدنى فى كل شيئ فى العمل ومنذ كنا أطفالاً كان دائم اللعب معى وكان يأخذ لى حقى من الأطفال حين تسخر منى ومن قدمى ومن هنا صار أحمد أكثر من أخ عندى وكنا سويا فى كل الاوقات عنده فى المنزل أو عندى وكان والده متوفى وكان يعتبر أبى مثل والده بالظبط ، لذا لم يتأخر حينما فكرت ورتبت لقتل من قتلوا أبى وبدأ صوته يعلو والدموع تغرق عينيه بالفعل هم من قتلوا أبى ، لأن أبى كان يحكى لى كثيراً عن هؤلاء الناس وأنه فى يوم من الأيام وهو ينظف أحد مكاتبهم وجد أحد موظفى شركات التأمين وهو يقوم بعمل بوليصة للتأمين على المول التجارى وبالطبع هو سمع منهم الكلام لأنه لم يكن يعرف الكتابة أو القراءة ولأجل حظه السيئ بعدها بيوم كان ينظف الحمام الخاص بصاحب المول ولم يكن يعرف أن أبى بالداخل وسمعهم أبى وهم يتحدثون عن عمل حريق هائل فى المول التجارى لتفادى العيوب الفنية فى التصميمات الهندسية التى كان أحد المهندسين والمقاولين كانوا قد أتموها بالفعل ولطيبة قلبه خرج أبى من الحمام ورآه مدير المول هو ومن معه وأخذوا يسألونه عن الذى سمعه فقال لهم : أنا لم أسمع شيئا خوفاً من طرده أو عمل أى شيئ فيه وبالفعل كان شكه فى محله فأمره المدير بالإنصراف على أن يأتى فى الليل لأنه فى الغد سيحضر عدد من المسئولين الكبار بالدولة لمشاهدة المول ويريد أن يكون المكان على أفضل ما يكون وأن هناك الكثير من العمل ولا بد من إنجازه اليوم وحينما عاد أبى حكى لى كل شيئ وأخبرنى بأنه يخاف من هؤلاء الناس وأنه سيذهب اليوم وفى الغد سيترك هذا العمل ولكن للأسف كان هذا هو آخر يوم له فى الحياة وليس العمل فقد إتفق المدير ومعاونيه على إحداث الحريق فى هذا اليوم ومعه قتل أبى حتى لا ينكشف سرهم فى يوم من الأيام و حينما علمت بالخبر من الناس أسرعت إلى المول ولكن حينما وصلت كان قد مات أبى قبل أن ينقل للمستشفى و بعدها أتى لمنزلنا مدير المول ليعرض علينا بعض المال ولم يكن يدرى أن أبى قد روى لى كل شيئ فشكرته ولم نأخذ منه شيئا ولكنى يومها قررت الإنتقام والترتيب لقتله هو وكل من شاركه فى هذا المول الذى كان مقبرة والدى واتفقت مع أحمد بعد أن حكيت له كل ما قال لى أبى وكما رأيت فهو أشد منى فى البنيان وجسمه الرياضى هذا ساعده كثيرا ً فى تنفيذ المخطط الذى قمت بترتيبه بنفسى ، وقومت بالإتصال بهم كلا على حدا وفى أوقات متوالية وقمنا بقتلهم جميعا هذا كل شيئ يا سيدى ولكنى لست نادماً على ما فعلت فهذا هو الثأر لوفاة أبى الذى مات بسببهم وإى إنسان فى موقفى كان ليفعل هذا ! سكت أسامة وقام أكرم من كرسيه وقال له : لو كل إنسان فعل مثلما فعلت أنت لأنقلبت الدنيا إلى غابة لا أنكر أنى متعاطف مع قصتك جدا ولكن القانون لا يعرف العواطف لقد دبرت وشاركت فى خمس جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد وهذه الجريمة عقوبتها الإعدام ، نادى أكرم على العسكرى بالخارج وطلب منه أن يأخذ أسامة إلى الحجز وبعد أن إنصرف رفع سماعة الهاتف وأخبر العميد راشد بإنتهاء القضية المكلف بها وإنه فى الصباح سيتم عرض المتهمين على النيابة وبهذا يكون قد تم إعلاق هذه القضية إلى الأبد ، أنهى المكالمة أكرم ودخل عليه مصطفى فقال له : الآن تستطيع أن تنام وترتاح فلقد إنتهت القضية ، ضحك مصطفى قائلاً : وهل من يعمل فى هذه الوظيفة يستطيع أن ينام أو يرتاح يا أكرم ؟ رد أكرم أنا عن نفسى سأطلب إجازة لمدة أسبوع لأرتاح فيها فأنا لا أعرف شيئاً عن أسرتى ، هيا بنا الآن لنعود إلى منازلنا وفى الغد نغلق تماماً هذه القضية ، وفى صباح اليوم التالى تم عرض المتهمين على النيابة وتم توجيه تهمة القتل العمد مع الإصرار والترصد لهما وإحالتهما إلى المحكمة ، وبعد أسبوعين تم الحكم عليهما بإحالة أوراقهما إلى المفتى وبعد تنفيذ الحكم ببضعة أيام تم ترقية الرائد أكرم إلى رتبة المقدم لتفانيه وإخلاصه وكفائته فى العمل ....
النهاية
بقلم الكاتب / على محمد ( الفيلسوف)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق