بسم الله الرحمن الرحيم
القصص الهادف
ــــــــــــــــــــــــــ
حنانك أبي !!
بقلم / أحمد عبد اللطيف النجار
أديب ومفكر مصرى
$$$ ليست مجرد قصة $$$
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبي ، تلك الكلمة الرائعة التي حُرمت منها منذ أكثر من ثلاث عقود ، عندما انتقل أبي إلي رحمة الله في أوائل ثمانينات القرن الماضي ، لقد أيقنت بالفعل أننا لا نشعر بقيمة البشر إلا بعد أن نفقدهم !
رمز الأب والأبوة يعني الكثير بالنسبة للأبناء ، فالأب يعني المسئولية ، يعني الحب والتوجيه والإرشاد ، يعني الفخر والاعتزاز ، فأنت تفخر بأبيك علي حسن رعايته لك وتوجيهك وإرشادك في معترك الحياة .
إذن رمز الأب يستحق كل ذلك وأكثر ، وها هو الخليفة العادل عمر بن الخطاب قد أعاد ابناً وحيداً من الغزو في جيش العراق لأن أباه توجع لفراقه وقال له الزم أبويك وجاهد فيهما ما بقيا من الدنيا !
لقد اعتبر الفاروق عمر جهاد الابن في رعاية أبويه والبر بهم في منزلة الجهاد في سبيل الله ، ثم أمر بعد ذلك بألا يغزو من له أب شيخ إلا بإذنه .
هكذا تعلمنا من إسلامنا العظيم ، دين الرأفة والإحسان إلى الآباء والأمهات ... ذلك هو إسلامنا الشامخ .
لكن توجد نماذج في الحياة لآباء يفرضون على أبنائهم حياة معينة
ويرسمون ويخططون طريقهم ، وكأن هؤلاء الأبناء لا عقل لهم ولا شخصية ولا إرادة !!
هذا ما حدث مع صاحبي عطوان ، ذلك الكيميائي الشاب الذي لم يتجاوز عمره 29 عاماً ، قابلته ذات يوم مع زوجته المحتشمة في مظهرها وجوهرها ، لاحظت عليه علامات الرضا والسرور ، سألته عن أحواله ، فقال عال والحمد لله ، لكن اسمح لي يا صاحبي أن احكي لك قصتي من البداية لعلها تفيد أحد يوماً ما .. يقول عطوان :
جئت للقاهرة منذ 11 عاماً لألتحق بالجامعة ، ونزلت تلك العاصمة الواسعة بالمقارنة بمدينتي في جنوب الصعيد ، وسكنت في شقة صغيرة بحي بين السرايات القريب من الجامعة .
انتظمت حياتي بين الكلية وبين المسكن الصغير ... كان أبي يزورني في القاهرة كل شهرين أو ثلاثة ليطمئن علي أحوالي وكان يوصيني دائماً أن ارعي الله في غربتي ، وكنت حقاً وصدقاً ملتزماً بوصايا أبي بكل أمانة ، والحمد لله حافظت علي استقامتي طوال سنوات الدراسة حتى تخرجت ووفقني الله في الحصول على عمل بالقاهرة .
خلال السنة الأخيرة من دراستي كانت استقامتي وطول العِشرة قد خلقا بيني وبين جاري في السكن نوعاً من الألفة والاحترام المتبادل ، وشيئاً فشيئاً خلقت هذه العِشرة نوعاً من الألفة والتقارب مع ابنيه الطالبين بالمرحلة الإعدادية ، ثم شيئاً فشيئاً بيني وبين ابنته الوحيدة الطالبة بكلية التجارة .
لا أطيل عليك توطدت علاقتي مع يسرية ، لكنها كانت علاقة محترمة في حدود الأدب والإعجاب المتبادل ، ورغبت في الزواج منها ، وذهبت إلي بلدتي في صعيد مصر ، وفاتحت أبي في الموضوع ، فكان رده إنه غير موافق نهائياً علي زواجي من فتاة قاهرية تقطع
ما تبقي من روابط بيني وبين بلدتي ، وإنه يفضل أي أن أتزوج إحدى قريباتي ليكون هناك دافع قوي يربطني بأهلي وبلدتي .
ذلك كان رأي أبي ، استمعت إليه بكل تقدير واحترام ، ثم رجعت إلي والد يسرية وصارحته بالأمر وأن والدي غير موافق ، فقال لي إنه يرى فيّ إنساناً مستقيماً وزوجاً كريماً لابنته ، لكنه لا يقبل على كرامته أن أتقدم إلي ابنته بغير موافقة أبي وأسرتي ، ونصحني بأن أحاول معه من جديد !
مضت الشهور وبدأت يسرية تقلق ، خاصة بعد ظهور عريس جديد في الأفق ، وطالبتني بسرعة التحرك قبل أن يضيع الأمل ، وسافرت لبلدتي وأصّر أبي على رفضه ، ورحت أكتب الرسائل إليه أناشده أن يعفيني من الإحساس بالذنب تجاهه لأني متمسك بالزواج من يسرية ، فرد عليّ بالرفض ، فسافرت إلي البلدة وقابلت أخوالي الثلاثة وطلبت منهم وساطتهم مع أبي ، فحدثوه جميعاً فلم يلن وعدت للقاهرة محبطاً !!
وعندما أتى أبي للقاهرة للسفر لتأدية العمرة ، ذهبت إلي المطار لأودعه ، وقبل أن يدخل أسوار الجمرك ؛ قلت له وأنا أقبل يده : حلّفتك بمن ستضع يدك علي شباكه ألا تظلمني وأنا ابنك الوحيد ، فنظر إليّ صامتاً ، ثم وضع يده على رأسي قائلاً : ربنا يعمل ما فيه الخير ، ثم سافر وعندما عاد من العمرة طرأت على رأسي فكرة جنونية ، هي أنه حتى هذه اللحظة لم ير يسرية وأنه لعله يظنها خواجاية متبرجة ولا يعرف أنها فتاة ملتزمة دينياً ومحترمة جداً ، فماذا لو قدمتها إليه ليراها علي الطبيعة ؟!
أليس من المحتمل أن يغيّر رأيه ؟ ... ونفذت الفكرة بالفعل وحين عاد من العمرة وجد في انتظاره إلي جواري بالمطار فتاة مظهرها محترم ومحجبة ... صافح أبي يسرية بكل احترام وهنأته بسلامة
الوصول ، فرد عليها بذوق وأدب وصافحه أيضاً شقيقي يسرية ، وعندما عدنا للمنزل سألت والدي الموافقة علي زواجي من يسرية ، فرفض بإصرار غريب !!!
يا إلهي ... أبعد انتظار عام كامل على موافقته لا يوافق !!
ماذا نفعل يا رب كي يوافق أبي ؟!... أنا لا أريد الخروج علي طاعته أبداً ولكن ما حيلتي !!
زرته مرة أخرى وقلت له كل هذا الكلام ، وبكيت وأنا أطلب مباركته لزواجي لكيلا أتزوج وأنا أشعر بالذنب نحوه ، فلاحظت أنه يغالب مشاعره وأن عينيه تدمعان وهو يعلنني للمرة الأخيرة بأنه غير موافق !!!
يومها اتخذت أصعب قرار في حياتي ولجأت إلي والد يسرية استنجد به واستحلفه الموافقة على زواجي من ابنته ، ففكر الأب طويلاً ، ثم قال : لا أستطيع أن أرفض أكثر من ذلك وقرأنا الفاتحة وحددنا موعد لعقد القران ، وكتبت لأبي رسالة طويلة أشرح له فيها الأمر وأطلب عفوه ورضاه عني وأخبره بموعد عقد القران ومكانه ، فلم يرد عليّ ، فأرسلت خطاباً ثانياً فلم يرد أيضاً ، فكتبت إلي أعمامي وأخوالي أطلب مساعدتي، فكلموا أبي ، فلم يتزحزح عن موقفه!!
اقترب موعد الزفاف ، فأرسلت إلي أبي تلغراف فلم يرد أيضاً ، فبكيت من القهر وقمت للصلاة ، فصليت ودعوت الله أن يغفر لي ولأبي إن كنت مخطئاً ، ورتبت نفسي علي أن أكون عريساً وحيداً بلا أهل في عقد القران ، وكان صهري متفهماً الموقف جيداً ، وقال لي أنه لا يطلب مني أي شيء ، فشكرته علي هذا الموقف الإنساني النبيل ، واشتريت بكل ما معي شبكة ( فقيرة ) متواضعة جداً لا تليق بخطيبتي ، والتف حولي أصدقائي الوحيدين من أيام الدراسة، وهم أصدقاء رجال أوفياء قيهم نخوة وشهامة نادرة في زماننا ، وكانوا
يعرفون قصتي ويشدون من أذري ، يساعدونني بقدر طاقتهم وبغير أن أطلب منهم المساعدة ، جاءني كل منهم بما معه من النقود لأستعين بها علي طلبات عقد القران ، حتى علب الملبس الصغيرة التي تُوزع على المعازيم عقب عقد القران مباشرة، أخرج كل منهم ما معه لحظتها لشراء تلك العلب ، فلم يزد ما جمعناه عن أربعين جنيهاً ، واحترت وشعرت بالعجز ، وأفلتت مني مشاعري فسقطت دمعة من عيني !!
ساعتها نهرني أحد هؤلاء أصدقائي الأوفياء قائلاً : ولا يهمك ، ساعة واحدة وسيكون عندك علب الفرح ، وذهب وباع ساعته الثمينة وولاعته وخاتمه الفضي لأحد الصاغة بنصف الثمن ، ثم اشترى العلب وعاد إلي بين السرايات مهرولاً ... في نفس اللحظة كان صديق آخر قد جاء ببذلته الجديدة لأني لم أستطع شراء بذلة مناسبة في تلك الظروف ، وجلسوا جميعاً حولي يضحكون ويهللون وأنا أضحك معهم وأسرح بخيالي أتخيل حال أمي وحزنها عليّ ، وحال أبي وغضبه مني ، فتموت الفرحة في قلبي !!!
مر الزمن سريعاً واقترب الوقت من الرابعة عصراً ، والجميع يستعدون لتوديع العروسين إلي شقتهم ، وإذا بالباب يدق دقات سريعة مفاجئة وكنت قريباً منه ففتحته ، فإذا بي أرى وجهاً لم أتبين ملامحه في البداية من شدة انفعالي ، ثم بدأت أفيق من دهشتي وأنا أرى ما أمامي ... يا إلهي !!... إنه أبي .. إنه أبي !!!
أبي بعينه وليس غاضباً ، بل يبتسم .. يبتسم بخجل كعادته حين يكون مُحرجاً ، وإلي جانبه عمي وأزواج شقيقاتي ، ثم أمي الحبيبة ، ثم شقيقاتي ، ثم أخوالي الأربعة ، ثم أربعة من أبناء عمي !
ساعتها والله لم أشعر بنفسي إلا وأنا احتضن أبي وأقبّل رأسه ويده وكتفه وانحنيت بدون وعي لأقبّل قدميه ، فرفعني أبي قبل أن
أصل إليها ، وتلفت حولي ، فإذا بالجميع يبكون تأثراً بالموقف ، أمي تبكي وشقيقاتي وأخوالي وأصدقائي وزوجتي وأبيها وأسرتها كلها وأنا !!!
الجميع يبكون دموع الفرح كما تقولون في الأمثال الشعبية ... ذهبنا جميعاً إلي شقة صهري لإعادة مراسيم الفرح حسب رغبة أبي ، وكانت ليلة خالدة لن أنسها ما حييت ، وأصرّ أبي أن يأتي المأذون مرة أخرى لإعادة إشهار عقد القران ، وتقدم ووضع يده في يد صهري وهو سعيد ، ودمعت عيناه وهو يقرأ صيغة العقد وقرأ الفاتحة ، أما أنا فلم تجف دمعتي طوال تلك اللحظات رغم فرحتي !
وحين جاءت لي أم عروسي بالشبكة الفقيرة لكي ألبسها لزوجتي ، نحّاها أبي بيده وأشار إلي عمي فأعطاه شبكة عظيمة فاخرة ، قدمها لي بفخر وقال لي : ( لبّس عروسك الشبكة يا ولد ).. فكانت كلمة ولد أحلى كلمة سمعتها منه طوال عمري ، وقمت بتقبيل يده أمام الجميع ، وبعد القران عدنا إلي شقتي الصغيرة وسهرنا حتى الفجر ، ثم صليناه جميعاً جماعة .
وعندما علم أبي بما فعله أصدقائي معي أزداد لهم إكباراً واحتراماً وسدد عني في اليوم التالي كل ما اقترضته منهم .
والآن يا صاحبي مر علي عقد قراني وزفافي أكثر من عام وأنا سعيد وعروستى سعيدة والجميع سعداء ، والحمد لله إنني أرضيت ربي وضميري في استرضاء أبي طوال ثلاث سنوات لأن طاعة الأب العادل العطوف من طاعة الله .
** أه ثم آه .. ثم آه يا صديقي الحبيب ، لقد قلت حقاً وصدقاً ، والحمد لله على ما كان وما سيكون بأمر الله ، لقد حققت المستحيل بصبرك وكفاحك وإخلاصك النية في الحصول علي رضا أبيك ، وذلك إرضاءاً لربك .
لقد جاهدت جهاداً عظيماً في برك بوالديك وكنت حريصاً علي طاعتهم ، ومن الواجب كذلك علي الآباء أن يكونوا منصفين مع أبناؤهم ، عطوفين عليهم ، وأن يعينوهم بعدم التعسف معهم وعدم الخروج علي إرادتهم واختيارهم ، ولهذا ورد في الحديث الشريف ( رحم الله امرأ أعان ولده علي بره ) أي ساعده بعطفه ورحمته به علي أن يكون نعم الابن ونعم النصير ، وبذلك يكتمل وينضج رمز الأب لدى الجميع ، وينتج الآباء العظماء أبناء عظماء ، ولا تكون الأبوة مجرد كلمة تُقال ، لا ندرك أهميتها أو لفظ ننطقه دون وعي أو شعور !
أحمد عبد اللطيف النجار
أديب ومفكر مصري
# إقرار علي مسئوليتي الشخصية والأدبية والمهنية .......
جميع الأسماء والأماكن الواردة بقصصي من بنات أفكاري ( يعني من وحي خيالي ) وإن
كانت الأحداث والوقائع حدثت بالفعل وحقيقية 100% ــ هدفي هو نشر نوع جديد و
مبتكر من الأدب الإسلامي والإنساني الواقعي يسمو بالروح إلي آفاق رحبة من الرقي والحب
والتسامح ونشر الوعي الإسلامي بين كل الفئات بأسلوب سهل بسيط لا تعقيد فيه ولا غموض
شباب هذا العصر لا يقرءون ولا يهتمون مطلقاً بالقراءة لانشغالهم بالانترنت والفيس بوك ذلك العالم السحري الذي لا حدود ولا أوطان له ‘ فصار العالم كله قرية صغيرة ،، فكان و لابد من التفكير في إبداع أدب إنساني جديد يناسب تفكير شباب وفتيات القرن الحادي والعشرين ، وقد أخذت على عاتقي التفكير بجدية في ابتكار ذلك الأدب الهادف في سطور قليلة سريعة القراءة وفي نفس الوقت سريعة التأثير في النفس ، وقد وفقني المولي عز وجل في تأليف أكثر من 1500 قصة قصيرة أو ممكن تسميتها نصوص أدبية من الأدب الواقعي الذي يعالج نقائص النفس البشرية ويداوي جراحها !! وما زال التأليف مستمراً !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق