نزوَة قصة قصيرة :
ابتسمت له وهي تغلق الدار .. تسمر مكانه .. جلس يفكر .. حدثته نفسه بأشياء كثيرة .. أدار بينه وبين نفسه .. حواراً طويلاً جداً .. عرضه رأيه .. والرأي الأخر .. أفترض أشياء .. ثم أعترض عليها .. وافق .. رفض .. علل .. وحلل .. ما رأى .. وما مرَّ . وما حدث منذ قليَل ..حتى احتدم الجدل .. بينه وبين نفسه .. وأضناه الأخذ والرد .. فسكت .. وانهي النقاش .. برهة ..تسرب من الداخل شعاع خافت .. قسم رأسه نصفين .. هزّ رأسه .. فتساقطت أفكاره .. شياطين صغيرة تثب أمامه فوق الأرض .. تكبر بقعة الضوء الواقعة من وربت الشيش .. فتظهر واضحة أمامه .. دقق بعينيه , وجحظ .. سحب لسانه بشفتيه .. شعر بقلبه يخفق .. كحمامة مذبوحة في صدره .. مزج دخان سيجارته .. بأنفسه المتلاحقة .. والهواء القارص يلفحه .. وهو متجمد مكانه .. برهة.. رفع رأسه قليلاً.. وحملق .. كانت تتجه صوب الدولاب, حينها تجمد الدم في عروقه .. فتحت دلفه , جف ريقه , ونشف .. مررت يدها البيضاء , الملتفة.. بين الفساتين المعلقة الملونة .. أمسكت قميصاً أسودا .. تخشب مكانه .. وخرط عرقه .. أرتبك .. أبتلع ريقه ألناشف بصعوبة .. وهي تجلس أمام المرأة الضخمة .. الفخمة .. تدير نهديها , النافر , الممتلئ .. بيدها البض .. تهيجه .. أنتفض .. أحترق .. طفت فوق مخيلته فكرة مجنونة .. سيطرت عليه تماما وساعة الحائط تشير إلي الوقت .. وهي تعزف قطعة موسيقية رائعة .. وأُخري تدق أم رأسي .. تمزقه.. أنتصف الليل .. وهو متصلب مكانه.. فزوجها الليلة خارج الدار كعادته .. ولا يعود إلا بعد أيام .. فعمله يحتم عليه ذلك .. أدار الأمر في رأسه جيدا ولم يفترض في تلك المرة .. أو يعترض .. ففكرته المجنونة الملعونة .. تلح عليه مُنذ زمن بعيد .. رسمها في مخيلته جيداً .. هزَّ رأسه , مطمئناً بأن خطته محكمة تماماً .. لثم وجهه , خبأ خنجره في هندامه .. احتاط وهو يتسلق الجدار بسرعة .. أغلق الشرفة المطلة علي الشارع .. أنبجس ينتظرها , في زاوية ما .. مرت عليه اللحظات دهورا .. وصوتها يتهادى من الحمام بالغناء .. لينهش أعصابه ككلاب مسعورة .. حبس أنفاسه المتلاحقة , اللاهثة .. وهي تلج الحجرة .. في لين وتؤدة .. وصوتها الناعم الحريري.. يثير كل جوارحه .. أغلق الباب دونها .. فتنبهت لوجوده .. ارتبكت .. ارتعدت .. ابتعدت ..انكمشت .. فوثب عليها كالحيوان الجائع المفترس وضع يده علي فمها .. وضغط خنجره في عنقها.. هددها بصوت خافت .. مضرب .. أجش .. غير من نبراته .. حتى لا تعرفه .. انتفضت .. أوجست خيفة منه.. سكتت .. سكنت .. رفع يده ببطء وحزر.. ووقف أمامها يلهث .. التهمها بعينين واسعتين , تزر زرت في نفسها .. تداخلت في بعضها .. ثم انزوت عند الباب المغلق .. تجمع بعضها المرتجف .. بين يديها انكمشت .. اقترب منها وهو يلهث .. وهو لم يزل يلتهمها بعينين كالجمر .. مالت نحو الدولاب المفتوح .. أخرجت علبة مصاغها .. ضربها بيده .. فوقعت علي السرير .. نظر إليها مبعثرة .. مشدوهاً في عته .. فاغراً فاه .. أمسك بيدها بقوة .. ارتبكت .. انتفضت .. توسلت إليه ان يدعها .. ويأخذ كل مصاغها .. حرك رأسه رافضاً .. بكت وهي ترجوه .. نهرها بحدة .. هدهدها .. بين يديه .. انتحبت .. تحننت .. كادت أن تصرخ , لكن الخنجر ألامع في يده , والجنون الذي رأته في عينيه جعلها تتراجع , أخذها بقوة إليه, وهي ترجوه أن يدعها ويأخذ مصاغها , اموالها , أي شيء فقط يدعها , ولا يقربها , ضربها علي وجهها بالقلم حتى تكف , وتسكت , أنَتْ , بكت , يئست , سكتت .. وقد استسلمت لأنفاسه وهي تحرقها حتى النخاع .. وأصابعه أحستها كقطع من الجمر, وهي تمشط جسده البلوري المتشرب بالحمرة , وتعبث بشعرها الليلي البهيم .. تأوهت , قاومت .. دفعته بكل قوة بعيداً عنها .. ففشلت .. ثم انحدرت الدموع ساخنة .. علي وجنتيها التفاح .. واعترك حتى استسلمت يديها .. وبعد شد وجذب .. وعراك مرير , هوى الخنجر من يده علي الأرض .. ثم امتزجت الأنفاس حامية .. لاهثة .. متلاحقة .. وقد انقطع البُهر.. وغابا عن الوعي .. ولما فرغا حاولت إماطة اللثام عن وجهه .. لكنه رفض .. انتفض .. نهض .. وقبل ان ينصرف .. زغللة عينيه قطع الحُلي المتناثر على الأرض .. عبأه في جيبه .. وفرّ هرباً .. هبت .. نهضت .. صرخت .. هرولت .. استغاثت .. فأقبل الناس عليها .. من كل اتجاه .. فهالهم ما رأوا .. واقفة لا شيء يسترها .. غير شعرها الطويل .. المبعثر علي كتفيها المرمر .. ونهديها يترجرج .. وهي تخمش وجهها بأظافرها .. وهي تلطم .. في صراخ هستيري .. حتى انهارت تماما .. وسقطت من طولها علي الأرض .. والناس حولها يتدافعون .. يزدحمون .. يعتركون .. لكي ينظرون .. امرأة ما , حلت شالها الأسمر ..ألقتهُ عليها بسرعة .. وأخري لفتها بملاءتها .. وحملناها إلي داخل الدار .. ومنعن الرجال من الدخول .. ووقف الناس ينظر بعضهم بعضاً .. وهم مندهشون .. وحائرون .. ويسألون في جنون عما حدث ..........؟!!! ..
.......................................................
.......................................
.............................
( يقول الراوي )
ولما حضر الزوج ... أخبرته زوجته بأن لصاً ... سرق مصاغها .. وهرب ..؟ّ!!
وأما الذي فعل هذا ... قضي ثلاث أعوام ... خلف القضبان ... وفصل من عمله ... فأصبح عاطلاً ... يتسكع علي الطرقات ... وعلي المقاهي .....؟!!.
وأما المرأة وزوجها ... لما كانا لا يستطيعا ... أن يواجها الناس ... باعا البيت ورحلا ... إلي مكان بعيد ... لا يعرفهما فيه أحد ..............؟!!.
بقلم / علي السيد محمد حزين

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق