موسوعة شعراء العربية
.
المجلد الثامن - شعراء النهضة العربية
.
الشاعر ابو القاسم الشابي
شاعر الخضراء
.
بقلم فالح الكيلاني
ـ
أبو القاسم الشابي شاعر تونس الخضراء ولد في يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شباط (فبراير) عام 1909م الموافق الثالث من شهر صفر سنة 1327 هـ في مدينة( توزر) احدى مدن تونس الخضراء
.
قضى الشيخ محمد الشابي( والده ) حياته المسلكية في القضاء حيث كان قاضيا يتنقل بحكم عمله لمختلف المدن التونسية حيث تمتع الشابي بجمالها الطبيعي الخلاب، ومن اغلب الاحتمالات أن يكون الشيخ محمد قد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان، وقيل ان القاضي محمد الشابي الكبير قد بقي في مدينة ( زغوان) حتى مرض مرضه الأخير ثم رغب في العودة إلى مدينة( توزر) فرجع، ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلاً بعد رجوعه إلى ( توزر ) فقد توفي في الثامن من أيلول –(سبتمبر) 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348 هـجرية.
.
الشيخ محمد الشابي كان رجلاً صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل وهذه حالة كثيرا ما تلازم رجال القضاء وفي هذا الجو نشأ أبو القاسم الشابي فقد ولد في عام 1909 وقيل في عام 1917 في ( قابس) وقيل ولد (الشابية ) واليها نسب ثم مات عنه أبوه وهو في سن الحادية عشر من عمره ولكنه أتم تعليمه في ( المدرسة الصادقية) أقدم المدارس في القطر التونسي لتعليم العلوم الحديثة واللغات الأجنبية وقد أصبح الأمين وهو شقيق ابي القاسم الشابي الشاعر مديرا لفرع خزنة دار المدرسة الصادقية نفسها ثم اصبح الأمين الشابي أول وزير للتعليم في الوزارة الدستورية الأولى في عهد الاستقلال فتولى المنصب من عام 1956 إلى عام 1958م.
.
تخرج ابو القاسم الشابي من جامعة الزيتونة اعرق الجامعات العربية وكان يشعر خلال دراسته أنه مريض قلبه الا ان أعراض الداء لم تظهر عليه واضحة إلا في عام 1929 وكان والده رغب بتزويجه والح عليه في ذلك فلم يجد أبو القاسم الشابي مع شعوره بالمرض والهزال بغية التوفيق بين رغبة والده وبينر مقتضيات حالته الصحية بداً من أن يستشير طبيباً في ذلك .
.
ذهب الشابي برفقة صديقه المخلص اليه ( زين العابدين السنوسي) لاستشارة الدكتور( محمود الماطري) وهو من افضل الأطباء، ولم يكن قد مضى على ممارسته الطب يومذاك سوى عامين وبسط الدكتور الماطري للشابي حالة مرضه وحقيقة أمر ذلك المرض وقد حذر الشابي على من عواقب الإجهاد الفكري والبدني وبناء على رأي الدكتور الماطري وامتثالاً لرغبة والده عزم الشا بي على الزواج وتم عقد قرانه.
.
كان ابو القاسم الشابي مصاباً بالقلب منذ نشأته وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه ومع مضي الايام ر حالته الصحية ازدادت سوءاً فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن ثم ان الشابي كان في الأصل ضعيف البنية نحيل الجسم ومنها أحوال الحياة التي تقلّب فيها في طفولته ومنها الأحوال السيئة التي كانت تحيط بالطلاب عامة في مدارس السكن التابعة لجامعة الزيتونة ذات التاثير السيء على حياته . ومنها الصدمة التي تلقاها بموت محبوبتة الصغيرة والتي كانت من اسباب إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية ومنها أيضاً زواجه فيما بعد. حيث لم يأتمر الشابي بنصيحة الأطباء إلا بترك الجري والقفز وتسلق الجبال والسياحة ولعل الألم النفسي الذي كان يلم به من الإضطراب عن ذلك كان أشد عليه مما لو مارس بعض أنواع الرياضة باعتدال. وقد كتب في مذكراته يوما فقال :
.
( ها هنا صبية يلعبون
بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم ؟ ولكن أنى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً ! آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية).
.
وقد وصف الدكتور محمد فريد غازي مرض الشابي فقال:
( إن صدقنا أطباؤه وخاصة الحكيم الماطري قلنا إن الشابي كان يألم من ضيق الأذنية القلبية أي أن دوران دمه الرئوي لم يكن كافياً وضيق الأذنية القلبية هو ضيق أو تعب يصيب مدخل الأذنية فيجعل سيلان الدم من الشرايين من الأذنية اليسرى نحو البطينة اليسرى سيلاناً صعباً أو أمراً معترضاً (سبيله) وضيق القلب هذا كثيرا ما يكون وراثياً وكثيراً ما ينشأ عن برد ويصيب الأعصاب والمفاصل وهو يظهر في الأغلب عند الأطفال والشباب ما بين العاشرة والثلاثين وخاصة عند الأحداث وهم على وشك البلوغ).
.
فالأطباء كانوا يصفون له الإقامة في الأماكن المعتدلة المناخ.
قضى الشابي صيف عام \1932 في (عين دراهم) مستشفياً وكان يصحبه أخوه (محمد الأمين) ويظهر أنه زار في ذلك الحين بلدة( طبرق) برغم ما كان يعانيه من الألم، ثم أنه عاد بعد ذلك إلى( توزر) وفي العام التالي اصطاف في( المشروحة) إحدى ضواحي مدينة ( قسنطينة) من أرض القطر الجزائري وهي منطقة مرتفعة عن سطح البحر تشرف على مساحات مترامية وفيها من المناظر الخلابة ومن البساتين ما يجعلها متعة الحياة الدنيا . وقد شهد الشابي بنفسه بذلك ومع مجيء الخريف عاد الشابي إلى تونس الحاضرة ليأخذ طريقة منها إلى( توزر) لقضاء الشتاء فيها. غير أن هذا التنقل بين المصايف والمشاتي لم يجد الشابي نفعاً فقد ساءت حاله في آخر عام\ 1933 واشتدت عليه الآلام فاضطر إلى ملازمة الفراش مدة. حتى إذا مر الشتاء ببرده وجاء الربيع ذهب الشابي إلى الحمّة أو الحامه (حامة توزر) طالباً الراحة والشفاء من مرضه المجهول ومنعه الأطباء الاشتغال بالكتابة والمطالعة.
.
غادر الشابي ( توزر) إلى العاصمة وبعد أن مكث بضعة أيام في أحد فنادقها وزار حمام الأنف، أحد أماكن الاستجمام شرق مدينة ( تونس ) نصح له الأطباء بأن يذهب إلى( أريانة) وكان ذلك في أيلول من نفس العام (واريانة )ضاحية تقع على نحو خمس كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة تونس العاصمة وهي موصوفة بجفاف الهواء. ولكن حال الشابي ظلت تسوء وظل مرضه عند سواد الناس مجهولاً أو كالمجهول وكان الناس لا يزالون يتساءلون عن مرضه هذا:
- هل هو داء السل هو أم مرض القلب؟.
.
ثم أعيا مرض الشابي الاطباء على عناية وتدبير فرديين فدخل مستشفى الطليان في العاصمة التونسية فظهرانه مصاب بمرض القلب
.
توفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من أكتوبر من عام \1934 ميلادية فجراً في الساعة الرابعة من صباح يوم الأثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة\ 1353 هـجرية.
.
نال الشاعر التونسي الكبير ابو القاسم الشابي بعد موته عناية كبيرة ففي عام \1946م ميلادية - وهذا ما اعتادت عليه البلاد العربية من الاحتفال بمبدعيها وادبائها حيث يهتمون بنتاجه بعد موته متناسين حالته الثقافية مادام على قيد الحياة - تألفت في تونس لجنة لإقامة ضريح اليه نقل اليه جثمانه باحتفال كبير جرى يوم الجمعة في السادس عشر من جمادى الثانية عام\ 1365 هـجرية.
.
ويتعبر الشابي افضل شاعر في أجمل تعبير عن انوار تونس والمغرب العربي التي استفادت منها بلاد المشرق والمغرب العربي
.
نظم الشابي قصائده في مدى ثماني سنوات أو عشر في الأكثر. مما يلفت النظر أن الشابي ظهر فجأة كشاعر تام النضج كما يقول ( الحليوي ) أو على شيء كبير من النضج فهو قد نبغ في هذه الشعر نبوغا وقال الشعر صبيا وشعره في الصبا كان تاما كاملا من حيث البلاغة الادبية والتصوير الشعري الجميل للطبيعة التي افتتن بها فهو ابن (تونس الخضراء) التي تلم به من كل جانب وصوب اضافة الى ذلك فهو شاعر وجداني وهو برغم صغر سنه شاعر مجيد مكثر يمتاز شعره بالرومانسية فهو صاحب لفظة سهلة قريبة من القلوب وعبارة بلاغية رائعة يصوغها باسلوب او قالب شعري جميل فهو بطبيعته يرنو الى النفس الانسانية وخوالجها الفياضة من خلال توسيعه لدائرة الشعر وتوليده ومسا يرة نفسيته الشبابية في شعر جميل وابتكار افضل للمواضيع المختلفة بحيث جاءت قصائده ناضجة مؤثرة في النفس خارجة من قلب معنّي بها ملهما اياها كل معاني التاثرالنفسي بما حوله من حالة طبيعية رائعة مستنتجا النزعة الانسانية العالية. لذا جاء شعره عالي الجودة في اغلبه متاثرا بالعالمين النفسي والخارجي . يقول :
اراك, فتحلو لدى الحيـــــاة
و يملأ نفسى صباحُ الأمل
و تنمو بصدرى ورود عِذاب
و تحنو على قلبي المشتعل
فأعبُدُ فيك جمال الســـــماء
ورقة ورد الربيع, الخضِل
و طهر الثلوج, و سحر المروج
مُوشـــــــحةً بشعاع الطفل
.
جرب الشابي في شعره على أسلوبين : اسلوب فخم متين النسج جاء به في طوره الأول في الأكثر وخص به قصائده في الحكمة والرثاء والفخر ، و أسلوب اخر لين سلس جاء به في القصائد التي طواها على أغراضه الوجدانية والخيالية. وكان من الطبيعي أن تضم قصائده التي على الأسلوب الأول الفاظاً جزلة والفاظاً غريبة وأن تكون متخيرة تدل على إحاطته بالقاموس العربي إلى حد كبير.
.
والشابي كان ثائرا على عمود الشعر العربي ، وعلى الحياة العربية الأصلية ، أراد أن يتجنب الألفاظ الإسلامية ذات النفحه العربية وملامحها ليتبدل بها ألفاظاً وثنية الأصل عامية الاستعمال في بعض قصائده ، وخصوصاً في طوره المتأخر.لما يحسه في قرارة نفسه من مرارة الحياة في المرض وعدم جدوى العلاج وسأمه من الحياة حيث انه في شعره شبه ثورة على كل ماهو ماض وقديم . يقول :
أراك, فتخفق أعصاب قلبي
و تهتزُ مثل اهتزاز الوتر
و يجرى عليها الهوى, فى حُنُوٍ
أنامل,لُدناً, كرطب الزهر
فتخطو أناشيد قلبي,سكرَى
تغردُ, تحت ظلال القمر
و تملأني نشوة, لا تُحَـــــد
كأنى أصبحتُ فوق البشر
أوَدُ بروحى عناق الوجودِ
بما فيه من أنفُسٍ , او شجر
.
والتراكيب الشعرية عند الشابي كالفاظه تجري مجريين: مجرى أساليب العرب ومجرى آخر كثير التحرر والانفلات من الأساليب العربية يجب أن يكون التركيب صحيحاً متيناً. ونعني بالتركيب الصحيح أن تجري الجملة على الأساليب العربية في الترتيب ووجوب التقديم والتأخير أو جوازهما وفي الاضماروالابدال وما إلى ذلك من القواعد اللغوية العربية والشعرية من اناقة التعبير ورصانته وأصالته وهذه هي الدعائم الأولى التي يقوم عليها اسلوب الشابي الذي امتاز بالبعد عن (ا لركاكة ) التي أخذت على كثيرين من شعراء العربية .
.
يتميز الشابي كونه خيالي التفكير خيالي التعبير يبحث عن مثل أعلى من صنع هذا الخيال فلا يجده في العالم الذي يعيش فيه فينقلب شاكياً باكياً ثم تصطبغ آراؤه وتعابيره بالأسى والحزن والكآبة والوجوم. و قد امتلك ناصية الشعر الممتزجة بالخيال ورغم انه سكت عن الخيال .
.
التصور عند الشابي كان صادقاً حقيقاً لمن عاشرهم وسكنوا نفسه وتقربوا اليه وانطبعوا في روحه وهي اشباح لأناس حقيقين لا خياليين فما كان ابوه رمزاً خيالياً ولا كانت عشيرة صباه بجنة شاعر أو حلم كاذب.انه يترجم في شعره الحقيقة ذاتها ومع كل ذلك كان للشابي خيال مولد موغل في الغرابة ربما اصطنع من الأمور العادية مشاهد وقصصاً جميلة .
.
وفي بعض الاحيان نجد الجد يغلب على قصائد ديوان الشابي ولا ريب في ان اتجاه الرجل كان جدياً حزيناً ولكن يبدو أنه كان في ايام تلمذته قبل ان يعلم مرضه أو قبل أن يدرك خطورة مرضه يميل إلى الهزل والمعابثة ككل شاعر آخر أو ككل أنسان في صباه او حداثته .
.
اما اغراضه الشعرية فقد كانت أغراض الشابي محدودة في نطاقها فهي تدور في الوجدانيات وما يتبعها من التأمل في الحياة وكان الشابي منذ صباه وفي اول احياته الشعرية قال إنه عازف عن الفنون الشعرية المألوفة او التقليدية و ملتزم بما يعبرّ فيه عن شعوره ونفسيته ، لذا نلاحظ ان الا غراض الشعرية اوالفنون الشعرية في قصائده مستوحاة من التأمل في الحياة الطبيعية في كل مجرياتها فهو يتنقل بين زقزقة العصافير وتغريد البلابل ونوح الحمام ويتنقل بشعره او هو ينشد شعره بين الغابات والحدائق والبساتين والورود والجبال والشجر وفي الحياة الاجتماعية و السياسية والوطنية والحياة الأدبية بما تمليه عليه الظروف و بما يشعر به ازاء كل منها و كذلك في الحياة العامة وما يشعر به ازاء الحياة والموت .
ويقول في رائعته ( نشيد البحار ):
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ
كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً
بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى
ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ…
وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ،
غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ
أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها
وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي
وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي
يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني
عن حرب آمالي بكل بلاءِ:
“-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي
موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ
«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ
سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ»
لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا،
وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء
«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً
بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي
واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى
، وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ
وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ
رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ»
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك،
عازفاً قيثارتي، مترنِّما بغنائي»
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ
في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ»
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي
فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ»
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي
أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ»
«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس
تزيدُهُ إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ»
أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى
عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي»
.
اما الموضوعات الوجدانية مثل رثاء أبيه او اي شخص عزيزعليه او الاباء والتفس و المجد والموضوعات النفسية الاخرى فقد كانت قصائده مليئة بها، مثل التبرم بالحياة و الشعور بالضيق و بالغزل والحب. فقد تغنى بالحياة والحب كثيرا ولكل شاعر سلوبه في ذلك .
.
ومن اروع ما قاله ابوالقاسم الشابي قصيدته- (ارادة الحياة ) التي لايزال كل الشعب العربي في المشرق والمغرب يردد بعض ابياتها وقد خلدته اكثر من اي قصيدة اخرى قالها فالقصيدة بداياتها رائعة ومطلعها جميل ورائع واختم بها مقالتي هذه :
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ
فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي
وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ
تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ
مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ
وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر
وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ
وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ
رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ
وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ
يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ
وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ
وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا سَأَلْتُ :
أ يَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟
أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ
وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ
وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ
وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ
وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر
وَلَـوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم
لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ
مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر!"
وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ
مُثَقَّلَـةٍ بِالأَسَـى وَالضَّجَـر
سَكِرْتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ
وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى سَكِـر
سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ
لِمَا أَذْبَلَتْـهُ رَبِيعَ العُمُـر؟
فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَـاهُ الظَّلامِ
وَلَمْ تَتَرَنَّـمْ عَذَارَى السَّحَر
وَقَالَ لِيَ الْغَـابُ في رِقَّـةٍ
مُحَبَّبـَةٍ مِثْلَ خَفْـقِ الْوَتَـر
يَجِيءُ الشِّتَاءُ ،شِتَاءُ الضَّبَابِ
شِتَاءُ الثُّلُوجِ ، شِتَاءُ الْمَطَـر
فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ ، سِحْرُ الغُصُونِ
وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر
وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ
وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر
وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُـهَا
وَأَزْهَـارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِـر
وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ
وَيَدْفنُـهَا السَّيْـلُ أنَّى عَـبَر
وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيـعٍ
تَأَلَّـقَ في مُهْجَـةٍ وَانْدَثَـر
وَتَبْقَى البُـذُورُ التي حُمِّلَـتْ
ذَخِيـرَةَ عُمْرٍ جَمِـيلٍ غَـبَر
وَذِكْرَى فُصُول ٍ ، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ
وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَـر
مُعَانِقَـةً وَهْيَ تَحْـتَ الضَّبَابِ
وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْـتَ الْمَدَر
لَطِيفَ الحَيَـاةِ الذي لا يُمَـلُّ
وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر
وَحَالِمَـةً بِأَغَـانِـي الطُّيُـورِ
وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَـر
وَمَا هُـوَ إِلاَّ كَخَفْـقِ الجَنَاحِ
حَتَّـى نَمَا شَوْقُـهَا وَانْتَصَـر
فصدّعت الأرض من فوقـها
وأبصرت الكون عذب الصور
وجـاءَ الربيـعُ بأنغامـه
وأحلامـهِ وصِبـاهُ العطِـر
وقبلّـها قبـلاً في الشفـاه
تعيد الشباب الذي قد غبـر
وقالَ لَهَا : قد مُنحـتِ الحياةَ
وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخـر
وباركـكِ النـورُ فاستقبـلي
شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر
ومن تعبـدُ النـورَ أحلامـهُ
يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر
إليك الفضاء ، إليك الضيـاء
إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر
إليك الجمال الذي لا يبيـد
إليك الوجود الرحيب النضر
فميدي كما شئتِ فوق الحقول
بِحلو الثمار وغـض الزهـر
وناجي النسيم وناجي الغيـوم
وناجي النجوم وناجي القمـر
وناجـي الحيـاة وأشواقـها
وفتنـة هذا الوجـود الأغـر
وشف الدجى عن جمال عميقٍ
يشب الخيـال ويذكي الفكر
ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ
يُصَـرِّفُهُ سَـاحِـرٌ مُقْـتَدِر
وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء
وَضَاعَ البَخُور بَخُورُ الزَّهَر
وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ
بِأَجْنِحَـةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَـر
وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ
في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ
لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ
فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ
.
اميرالبيـــــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلد روز
********************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق