*****هــول امــرأة *****
نــص
يبدو وضع أسرة السيدالحسين الخرطوني، مُميّزاً جدّاً وسط هذا الحيّ الشعبي، الذي شهد في السنوات الأخيرة إعادة هيكلة، جعلت بناءاته الصفيحية تتحول إلى سكنيات عصرية ،خضع تشييدها من طرف أصحابها لتصاميم بلدية مُوحَّدة وملزِمة ...وضع مُميـّز ،لكون السيد الحسين طوّر مشروعه المتواضع جدّاً كبائع متجول للألبسة المستعملة، ليصير صاحب دكـّان البِقالة الوحيد بالحي ذاته.....
رجـل ذو بنية قوية، وطول ملحوظ... مـنكبان عريضان، وقدمان كبيران بشكل مثير ومدهش، ويدان ضخمتان تـتـّسع رحى كـفّ الواحدة منهما لجعل طفل رضيع ينام عليها في ارتياح....
يحتفظ السيد الخرطوني بمعزّة قوية تـجاه والدته المُسِنّة، التي تعيش لوحدها في كوخ منسيّ في الضـّاحية الغربية للمدينة، يزورها مـرّتين في الأسبوع.....دائماً يُمنّي النفس بفرصة مُواتية يرأف فيها قلب زوجته ويحنّ،فيتمكن من تسـْكين والدته معه، ويعتني بها تماماً كما يُلزم مكرهاً على المبالغة في الاهتمام بصهرته، ومكرهاً يناديها (أمي ميمـونة )...هو لايملك سوى التودّد إليها، بالرّغم من كونها تقف موقف المتفرجّة من ابنتها لمّا تثور ثائرتها ،ويفيض غضبها، ويشتطّ غيظها لسبب من الأسباب، فتُعنِّفه لفظيّاً أحياناً ، وجسديـّاً أحايين كثيرة... يحز في نفسه ذلك، كما يحز في نفسه أيضاً ما تتعرض له بناته الخمس، وولده الوحيد سليمان ذي العشرين ربيعاً من تعنيف، وسوء معاملة من طرف زوجته، ولا يملك قدرة حمايتهم وهم يحتمون به لحظات هيجان خاطر زوجته فاطمة البطحاوية.... كل مايستطيع فعله، هو أنه يستغيث بجيرانه الطـيبين الذين يتفادون سلاطة لسان البطحاوية، فيتوسلون، ويدعون لها بكل خير، ملتمسين منها التوقـّف عن جلد هذه البنت أو تلك....
السيد الخرطوني رجل في أعماقه تسكن طيبوبة وكرم ناذران. فبالرغم من كون زوجته تتّبع بدقـّة متناهية سير عمليات البيع بالدكان، وتحرص على أخذ المدخول اليومي نهاية كل يوم.. بالرغم من ذلك يختـلس المسكين دريهمات تساعده في تبديد قليل من بؤس والدته، وجارتها الطاعنة في السن... ويتمنى في أعماقه لو فتح الله عليه برزق وفير، أو على الأقل تسمح له زوجته بنسبة قليلة من مداخيل دكـّان البقالة الذي صرف جهوداً مُضنية من أجل إنشائه ....لو تأتـّى له ذلك لكان سخياً مع أمه، ومع بناته وآخرين...
يستغرب كثير من سكان الحي، ومعارف وأهل السيد الخرطوني كيف لامرأة بالكاد يجاوز طولها المتر الواحد بقليل..كيف لها أن تزرع كل هذا الخوف والرّعب في نفس زوجها الذي يبدو فاره الطول كعمود كهربائي، قوي البنية... وتذهب السعدية الزجـّالة، السيدة المسنة التي تنظم قصائد زجلية من صنف المطوّلات، تنظمها من الذاكرة، وتحفظها، مع النـّظم، وتتباهى باستعراضها في أوساط النساء خلال مختلف المناسبات...قصائد في مدح الرسول الاعظم، وأخرى متمحورة حول حكم ومواعظ دينية مختلفة... . ًتذهب هذه السيدة الملقـّبة بفقـيهة الحي. إلى ربط جبروت السيدة البطحاوية بنجاح وصفات سحرية، يتفنـّن في إنجازها لفائدتها اليهودي شلومو:واحد من سحرة المدينة القديمة الماهرين.. الذي جعل الأسرة كما الجيران يهابونها ويتجنبون إغضابها.......
وحدها السيدة مليكة البرّانية، تخفي حباً كبيراً ومعزة بحجم الكون للبطحاوية، لأنها تنتقم لها من بطش الرجال واستبدادهم ،هي التي لا يمر أسبوع من حياتها دون أن تأكل وتنال من العصا، ما يأكله الطّبل في الأفراح والاعياد. كما يحلو لها ان تردّد وهي تحكي معاناتها مع زوجها السيد بوشعيب العيساوي .
بمنطقة تقرب من مدينة سطات المغربية، وهي منطقة فلاحية معطاء بامتياز. سيتوفى الحاج مربوح العمّ الوحيد للسيد الحسين الخرطوني. وفاة كانت قاسية جداً عليه. وبوقع نفسي مدمـِّر. خاصة أنه آخر من تبقّى من العائلة. رجل كان حكيماً رحمه الله تعالى. وكثيراً ما كان يوصيه في بدايات زواجه ،بضرورة التخلـّص من هذه الزوجة السوء قبل التورّط معها في ولادات متتابعة.......
خلّف العم ّ إرثاً هامّاً من الأراضي الفلاحية، وعقارات مماثلة بمدينة الدار البيضاء. ولم يٰكتب له أن يخلف ولداً،لأن الرّاحلة زوجته فيما يحكى كانت عاقرا، بل يقال أيضاً إنهما يشتركان في العقم ....
مباشرةً بعد انتهاء مراسيم العزاء. ستباشر السيدة البطحاوية بتوكيل رسمي من زوجها ،مَهمّة تفويت كل ماورثه هذا الأخير عن عمه لفائدتها. وستنجز في أيام قليلة ملفّ التملّك الشخصي وحدها فقط لكامل متروك العمّ.أمر حزّ في نفس الزوج كثيرا وفي نفوس بناته وولده. ولكنه لايدري كيف سهّل وقوعه بشكل سلس .!!وكيف انصاع لرغبتها الجامحة في تملّك كل ما خلـّفه العم الوحيد!
سنتان بعد ذلك. قررت البطحاوية بشكل انفرادي بيع ذلك الإرث، وسيُعجّل وسيط عقاري مشهور ببيع إجمالي معـتبـر. إذ تسلمت هذه المرأة المبلغ نقداً،.....:حقيبتان مملوءتان بالأوراق النقدية الجديدة... لا تثق البطحاوية في الابناك،لديها صندوق حديدي بمنزلها. ستودع به رزمات الاوراق النقدية. قررت قضاء الليلة بأحد الفنادق بمدينة الدار البيضاء، حيث تمت عملية البـيع. محتاطة من سفر يصادفه الليل والظلام ...ليحدث ما لم يكن في الحسبان! ستتعرض لعملية قتل بشعة.... احتارت الشرطة العلمية في الأمر، ولم يكن بيدها أي أثر مفيد.
انطلقت عملية بحث ماراطوني، كانت الشرطة معه كمن يلاحق السـّراب. لتهتدي عن غير اقتناع إلى اعتقال زوج الراحلة، والوسيط ثم الشقيقان المشتريان .....سيُمضي الجميع سنة إلا قليلا في السجن قيد التحقيق، قبل أن تظهر علامات ثراء غير معقول على إحدى عاملات النظافة بالفندق مسرح جريمة القتل، ما عجّل بالتعرّف على شريكها في الجناية، وهو عشيقها الذي كان زوجها دائما يشك في علاقته المشبوهة بها. إنه ماسح الأحذية ذي الأصول الإيفوارية، الذي كانت تـُوهم زوجها بأنها فقط تشفق لبؤس حاله ....
حاول الحسين وهو يعانق الحرية، أن يتزوج من جديد بإيعاز وتحفيز من بناته، ولكنه كلما راودته الفكرة، تحضر الراحلة أحلامه،تخترق ليله وسكونه، فيتملكه خوف شديد طوال الأسبوع الذي يعقب الحلم ....ولم يدر أهو وهم أم حقيقة ما أصبح يلاحقه من صوتها المخيف، المُحمّل بنفس الأوامر ،والسبّ واللعن والشـّتم......!!
**"بقلمي عبد الحق توفيق البقالي "**
نــص
يبدو وضع أسرة السيدالحسين الخرطوني، مُميّزاً جدّاً وسط هذا الحيّ الشعبي، الذي شهد في السنوات الأخيرة إعادة هيكلة، جعلت بناءاته الصفيحية تتحول إلى سكنيات عصرية ،خضع تشييدها من طرف أصحابها لتصاميم بلدية مُوحَّدة وملزِمة ...وضع مُميـّز ،لكون السيد الحسين طوّر مشروعه المتواضع جدّاً كبائع متجول للألبسة المستعملة، ليصير صاحب دكـّان البِقالة الوحيد بالحي ذاته.....
رجـل ذو بنية قوية، وطول ملحوظ... مـنكبان عريضان، وقدمان كبيران بشكل مثير ومدهش، ويدان ضخمتان تـتـّسع رحى كـفّ الواحدة منهما لجعل طفل رضيع ينام عليها في ارتياح....
يحتفظ السيد الخرطوني بمعزّة قوية تـجاه والدته المُسِنّة، التي تعيش لوحدها في كوخ منسيّ في الضـّاحية الغربية للمدينة، يزورها مـرّتين في الأسبوع.....دائماً يُمنّي النفس بفرصة مُواتية يرأف فيها قلب زوجته ويحنّ،فيتمكن من تسـْكين والدته معه، ويعتني بها تماماً كما يُلزم مكرهاً على المبالغة في الاهتمام بصهرته، ومكرهاً يناديها (أمي ميمـونة )...هو لايملك سوى التودّد إليها، بالرّغم من كونها تقف موقف المتفرجّة من ابنتها لمّا تثور ثائرتها ،ويفيض غضبها، ويشتطّ غيظها لسبب من الأسباب، فتُعنِّفه لفظيّاً أحياناً ، وجسديـّاً أحايين كثيرة... يحز في نفسه ذلك، كما يحز في نفسه أيضاً ما تتعرض له بناته الخمس، وولده الوحيد سليمان ذي العشرين ربيعاً من تعنيف، وسوء معاملة من طرف زوجته، ولا يملك قدرة حمايتهم وهم يحتمون به لحظات هيجان خاطر زوجته فاطمة البطحاوية.... كل مايستطيع فعله، هو أنه يستغيث بجيرانه الطـيبين الذين يتفادون سلاطة لسان البطحاوية، فيتوسلون، ويدعون لها بكل خير، ملتمسين منها التوقـّف عن جلد هذه البنت أو تلك....
السيد الخرطوني رجل في أعماقه تسكن طيبوبة وكرم ناذران. فبالرغم من كون زوجته تتّبع بدقـّة متناهية سير عمليات البيع بالدكان، وتحرص على أخذ المدخول اليومي نهاية كل يوم.. بالرغم من ذلك يختـلس المسكين دريهمات تساعده في تبديد قليل من بؤس والدته، وجارتها الطاعنة في السن... ويتمنى في أعماقه لو فتح الله عليه برزق وفير، أو على الأقل تسمح له زوجته بنسبة قليلة من مداخيل دكـّان البقالة الذي صرف جهوداً مُضنية من أجل إنشائه ....لو تأتـّى له ذلك لكان سخياً مع أمه، ومع بناته وآخرين...
يستغرب كثير من سكان الحي، ومعارف وأهل السيد الخرطوني كيف لامرأة بالكاد يجاوز طولها المتر الواحد بقليل..كيف لها أن تزرع كل هذا الخوف والرّعب في نفس زوجها الذي يبدو فاره الطول كعمود كهربائي، قوي البنية... وتذهب السعدية الزجـّالة، السيدة المسنة التي تنظم قصائد زجلية من صنف المطوّلات، تنظمها من الذاكرة، وتحفظها، مع النـّظم، وتتباهى باستعراضها في أوساط النساء خلال مختلف المناسبات...قصائد في مدح الرسول الاعظم، وأخرى متمحورة حول حكم ومواعظ دينية مختلفة... . ًتذهب هذه السيدة الملقـّبة بفقـيهة الحي. إلى ربط جبروت السيدة البطحاوية بنجاح وصفات سحرية، يتفنـّن في إنجازها لفائدتها اليهودي شلومو:واحد من سحرة المدينة القديمة الماهرين.. الذي جعل الأسرة كما الجيران يهابونها ويتجنبون إغضابها.......
وحدها السيدة مليكة البرّانية، تخفي حباً كبيراً ومعزة بحجم الكون للبطحاوية، لأنها تنتقم لها من بطش الرجال واستبدادهم ،هي التي لا يمر أسبوع من حياتها دون أن تأكل وتنال من العصا، ما يأكله الطّبل في الأفراح والاعياد. كما يحلو لها ان تردّد وهي تحكي معاناتها مع زوجها السيد بوشعيب العيساوي .
بمنطقة تقرب من مدينة سطات المغربية، وهي منطقة فلاحية معطاء بامتياز. سيتوفى الحاج مربوح العمّ الوحيد للسيد الحسين الخرطوني. وفاة كانت قاسية جداً عليه. وبوقع نفسي مدمـِّر. خاصة أنه آخر من تبقّى من العائلة. رجل كان حكيماً رحمه الله تعالى. وكثيراً ما كان يوصيه في بدايات زواجه ،بضرورة التخلـّص من هذه الزوجة السوء قبل التورّط معها في ولادات متتابعة.......
خلّف العم ّ إرثاً هامّاً من الأراضي الفلاحية، وعقارات مماثلة بمدينة الدار البيضاء. ولم يٰكتب له أن يخلف ولداً،لأن الرّاحلة زوجته فيما يحكى كانت عاقرا، بل يقال أيضاً إنهما يشتركان في العقم ....
مباشرةً بعد انتهاء مراسيم العزاء. ستباشر السيدة البطحاوية بتوكيل رسمي من زوجها ،مَهمّة تفويت كل ماورثه هذا الأخير عن عمه لفائدتها. وستنجز في أيام قليلة ملفّ التملّك الشخصي وحدها فقط لكامل متروك العمّ.أمر حزّ في نفس الزوج كثيرا وفي نفوس بناته وولده. ولكنه لايدري كيف سهّل وقوعه بشكل سلس .!!وكيف انصاع لرغبتها الجامحة في تملّك كل ما خلـّفه العم الوحيد!
سنتان بعد ذلك. قررت البطحاوية بشكل انفرادي بيع ذلك الإرث، وسيُعجّل وسيط عقاري مشهور ببيع إجمالي معـتبـر. إذ تسلمت هذه المرأة المبلغ نقداً،.....:حقيبتان مملوءتان بالأوراق النقدية الجديدة... لا تثق البطحاوية في الابناك،لديها صندوق حديدي بمنزلها. ستودع به رزمات الاوراق النقدية. قررت قضاء الليلة بأحد الفنادق بمدينة الدار البيضاء، حيث تمت عملية البـيع. محتاطة من سفر يصادفه الليل والظلام ...ليحدث ما لم يكن في الحسبان! ستتعرض لعملية قتل بشعة.... احتارت الشرطة العلمية في الأمر، ولم يكن بيدها أي أثر مفيد.
انطلقت عملية بحث ماراطوني، كانت الشرطة معه كمن يلاحق السـّراب. لتهتدي عن غير اقتناع إلى اعتقال زوج الراحلة، والوسيط ثم الشقيقان المشتريان .....سيُمضي الجميع سنة إلا قليلا في السجن قيد التحقيق، قبل أن تظهر علامات ثراء غير معقول على إحدى عاملات النظافة بالفندق مسرح جريمة القتل، ما عجّل بالتعرّف على شريكها في الجناية، وهو عشيقها الذي كان زوجها دائما يشك في علاقته المشبوهة بها. إنه ماسح الأحذية ذي الأصول الإيفوارية، الذي كانت تـُوهم زوجها بأنها فقط تشفق لبؤس حاله ....
حاول الحسين وهو يعانق الحرية، أن يتزوج من جديد بإيعاز وتحفيز من بناته، ولكنه كلما راودته الفكرة، تحضر الراحلة أحلامه،تخترق ليله وسكونه، فيتملكه خوف شديد طوال الأسبوع الذي يعقب الحلم ....ولم يدر أهو وهم أم حقيقة ما أصبح يلاحقه من صوتها المخيف، المُحمّل بنفس الأوامر ،والسبّ واللعن والشـّتم......!!
**"بقلمي عبد الحق توفيق البقالي "**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق