الخميس، 26 أكتوبر 2017

اللوحة قصة قصيرة : بقلم / على حزين

اللوحة 
قصة قصيرة : بقلم / على حزين 
ما أشبه الليلة بالبارحة .. ثمة شيء لم يتغير .. كانت ليلة قارصة , والبرد شديد كتلك الليلة.. والمطر ما زال يهطل .. والفضاء المترامي الأطراف .. كغول يستتر خلف النخيل المرتعش .. والنافذة الزجاجية تصفق ..وتصفق. 
ــ كل شيء قد تبخر 
الريح تصفر .. فتزمجر الأشجار العتيقة .. لقد عشش العنكبوت علي الشرفة المجاورة .. صار يعلوها أكوام من التراب الناعم .. فلم تعد تنظر منها " زيتونة ".. منذ أن رحلت إلي القاهرة .. فكل شيء يملأه الفراغ , والملل .. حتى تكعيبة العنب .. وشجرة الفل التي كانت ترويها , بضحكاتها الصابحات .. وتداعبها خصلتان من شعرها الحريري ,الأسود الداكن اللون 
ــ كل شيء تبخر ....! 
ــ لكن تغيرت كثيراً عندما رأيتكَ ..؟ " صدقني "...!!!!. 
تتسع الابتسامة العريضة بين شفتيها .. المستديرة .. فتتسع خطواتي علي الإسفلت .. حتى أخرج من دائرة الظل .. يزداد بريق عينيها لمعاناً .. وتألقاً .. تلملم دهشتها ثم تلقيها صوب الحقول الخضراء .. القطار يترنح , يتأرجح .. فوق القضبان .. الحديدية .. طيور النورس تحلق فوق الماء .. هنا كان أول لقاء .. كانت شاردة الذهن.. بيدها دفتر صغير .. وفرشاة الألوان .. بمكر استفزها بحجر .. فتخطاها .. وأصاب البحر .." فطرطش" الماء فوق الدفتر .. فثارت غاضبة .. أذكر أنها وبختني كثيراً .. لكني كنت في " كريزه من الضحك "الحاد .. وكاد الموقف ينتهي إلي الشرطة .. لولا رجل وقور .. تدخل في الوقت المناسب .. أخذها وانصرفا .. وكنت اكرر هذا عمداً .. كلما رايتها تخلو بنفسها .. وبيدها الدفتر وفرشة الألوان " والكاسيت ".. وكانت تفزع عندما تراني .. وتجري مهرولة .. وهي تصيح .. 
ــ " مجنون .." مجنون " ....!! 
وبعد مشقةٍ استطعت أن اشد انتباهها , و نصبح صديقين حميمين .. نخلوا أحياناً إلي البحر عند الغروب .. نرثي للشمس التي تغرب وحيدة .. ونهزأ بالعاشقين .. وربما كنا نقلدهم أحياناً .. لكن دوماً كانت تذكرني بأننا صديقين وفقط .. وكانت تقول وهي تسكن خلف إذنيها .. بعض الشعر الثائر .. . 
ـــ الصداقة كنز لا يفني ... لكن الحب ...........!!
أذكر أخر مرة ... تأخرت عن موعدها .. فكدت اجن .. وكان النادي شاغراً .. وفنجان القوة العاشرة يضعه النادل "الجرسون " أمامي .. والسيجارة الـ ....... " كانت تلسعني .. فجأة أقبلت .. وهي تحمل بين جناحيها .. مظروفاً من الورق الأصفر.. وفوق شفتيها باقة ورد حمراء .
ـــــ معي لكي مفاجأة ........؟ 
كانت صورتي .. وفي وسط اللوحة نجمة .. وولد صغير يجلس فوق التل .. والماء جداول من حوله.. وغزالة ترعي العشب اليابس .. .. والشمس تطل من بين الأغصان .. تحملها أجنحة طائر ... 
ــــــ كل شيء تبخر .........؟
وكانت الشوارع تضيق بالذكريات .. والليل كان كئيبا .. يشبه كلمة قالتها في أخر لقاء 
ـــــ لا أريدك ......؟!! 
العربات تقف أمام اللون الأحمر ... تمر جنازة والناس قيام .. يترحم رجل وهو يربت علي كتف امرأة شقراء .. تمثال لجندي يتوسط الميدان .. والأم كانت توصيه .. أقف .. استرق السمع .. الأضواء تتراقص فوق الماء .. والبرد شديد .. الصوت يجلجل .. يقهقه .. يجلجل .. أضع أصابعي في أذني .. أستغشي ثيابي .. يجلجل .. أصرخ .. يجلجل .. أتساقط .. والمطر ما زال يهطل .. تبتل اللوحة .. تضغط فوق الفرشاة .. تمتزج الألوان في اللوحة .. فيصير الولد حماراً .. تنطفئ الشمس .. تسود اللوحة .. الليل كئيب .. يشبه شيطاناً اخرس .. وفمي قد صار مدخنة .. وصوت المؤذن يتهادى .. يتثاءب فوق المدينة ... وأنا علي أطرافها كنت أسير .. بخطي .. موهنه .. واهنة .......

Image may contain: 1 person

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق