الأحد، 27 أغسطس 2017

قراءة تحليلية لقصيدة بقلم الناقد الأديب والشاعر محمود سودانى ـ وهران

قراءة تحليلية لقصيدة 
......................................................
القصيدة هي للمبدعة الرائعة المتميزة شاهندا محمود , هي قصيدة بلا عنوان , فالشاعرة تقفز مباشرة الى الإهداء , و الإهداء هو الى الحبيب طبعا , و لكنها تقول : اليك سيدي , لا إليك حبيبي , و انا ارى ان التعبير منها كان راقيا جدا سواء أكان بعفوية ام كان مقصودا , فهي حين تضع الحبيب في مقام السيد فهي ستكون في مقام الأمة , و هذا يخلق مساحة تفاوت و اكبار للحبيب لا تخلقها كلمة حبيب لو أنها قالت : اهداء الى حبيبي , ذلك ان الحبيب تقابله حبيبة و العلاقة عندئذ تقام على النّدية و شتان بين الأمرين .
إن مأ يؤكد ما ذهبنا اليه هو استرسالها المباشر في تعظيم الحبيب و تمجيده , فهو موطن تسكن فيه مهجتها , و هو موطن كان فيه من قبل تكوينها , فهي كلمة البدء في هذا الموطن , امّا حديثه المتناثر العذب المشتهى فهو كالعطر في شرايين الشاعرة , و ما أروع هذا التشبيه الانيق . بل و ان شذى هذا العطر سيمدد عمرها عصورا اخرى و لم يزل نديا نقيا , تقول :
(موطن مهجتى وتكويني 
حديثك العذب يامشتهى العمر 
يتناثر كالعطور فى شراييني 
شذاه إمتداد لعصوري
نديا نقيا )
و الحبيب عند مبدعتنا الأنيقة مختلف جدا عن ما ألفناه , انه فارس أسطوري , فهي تخبئ فيه وجودها , و أي وجود ؟ انه مثير كالجنون , و حبيبها دائما هو انيق , يجعل من العشق خمرا معتقة تسكرها . و هو يرتب الفوظى التي تصاحب انتظارها ساعات اللقاء , يلملم شغف حبيبته , و يكتب لها شعر الحب معتقا فيرضي غرورها , انه يزهو في اروع صورة مثالية , فارسا انيقا شاعرا نبيلا . تقول مبدعتنا الرائعة في هذا الصدد :
( أخبئ فيك تكويني مثير كالجنون 
أنيقا أنت حبيبي
تعتق الحب كالمخمور 
ترتب فوضى إنتظاري
تلملم شغفى كالأمير 
ترضى غروري الشعر صبابة. 
تعتق )
تنتقل بنا بعد ذلك الى مقطع انيق جميل تصور فيه بعضا من لقائها بالحبيب , فهو يلثمها , و في لثمها هو يلثم نجوما معبأة بالحنين , و هو يحدثها و تحدثه و لكن حديثهما غير مألوف فهو السحر و هو ايضا ـ أي الحديث ـ يلثمه الحبيب من شفتها . و تتساءل بعفوية , كيف يمكن لليلهما ان يبتكر للكون فيوض عبير من هذا الهوى المستجير ؟؟ مستجير ممن ؟؟ لا نعلم ذلك , فالشاعرة تقفز بنا فورا الى اثبات حبها بكلمة : أحبك , و ما اروعها من كلمة في نهاية ه\ا المقطع , تقول في هذا الصدد :
( تلثم من شفتى نجوم حنينى 
وسحر حديثنا المثير
وكيف يبتكر الليل غيث العبير 
من لجة الهوى المستجير 
أحبك )
تنهي الشاعرة الانيقة قصيدتها بمقطع جميل و مثير في ذات الوقت , فبعد ان راينا في المقطع السابق صورة للقاء و للثم شفة الحنين و الحديث الذي هو السحر , نجدها في المقطع الاخير تستسلم لقدرها الذي فرض عليها ان تراقص ظل حبيبها , اي ان تعيش معه خيالا لا واقعا , و تطلب منه ان يدعها تفجر تورتها غير مبالية باللائمين . و كأنه هو من يمنعها من تفجير الثورة , تسأله ان يدعها تفجر ثورتها لسبب وجيه هو ان صدرها ضاق بالعشق الكبير و لم تعد تحتمل , تقول في هذا الصدد :
( وقدري أن أراقص ظلك وحيده
ف دعني أفجر ثوراتي 
لا نبالي لوم اللائمين 
فقد ضاق صدري 
بحبي الكبير )
قصيدة نثرية في منتهى الروعة , و الملفت للانتباه هو ان شاهندا محمود شاعرة حقيقية و بالسجية , فقد جاءت كثير الجمل في القصيدة موزونة , نأخذ المقطع الاخير كعينة : ( فقد ضاق صدري بحبي الكبير ) نجده على تفعيلة المتقارب : فعولن فعولن فعولن فعول , هكذا هو المقطع موزون بالسجية 
لا اكون مبالغا اذا قلت ان الشاعرة شاهندا محمود تملك قاموسا متميزا و حسا شعريا راقيا و قلبا مرهفا حساسا , اتوقع لها نجاحات ابداعية كبيرة تضعها في مصاف الكبار ان استمرت 
.............................
وهران : في : 25ـ08ـ2017

Image may contain: 1 person

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق