الجمعة، 3 مارس 2017

شوكولاتة. قصة قصيرة. بقلم / الاديب حسام أبو سعدة.

شوكولاتة.
 قصة قصيرة.
تكومت داخل نفسها و هى تقبض بيدها على قطعة الشوكولاتة. ترى الناس حولها عمالقة جبابرة، لا يشعرون بالضعفاء و لا الصغار، لا يأبهون بطفلة صغيرة مثلها لا يتعدى عمرها الأربع سنوات.
بدأت المشكلة عندما تاقت نفسها إلى قطعة شوكولاتة. إصطحبها والدها إلى البائع و هو يهدهدها و يداعب شعرها الناعم الطويل. عند البائع، انخلع قلبها رعباً من هدير الثوار الغاضبون، هدير الغضب يزلزل الأرض و يهز كل كيانها. أنهى البائع عمله بسرعة، قبض الثمن ثم أغلق متجره و هو يعتذر لوالدها قائلاً:
ـ المؤيدون قادمون من الجهة المقابلة.
أغلق متجره فى اللحظة الأخيرة. إشتبك المؤيدون و المعارضون. انتشرت رائحة الدخان الخانق، انتفضت تصرخ فى ذعر من فرقعة الطلقات النارية. حاول الأب اختطافها و العودة بها بسرعة. لكنه سقط تحت الأقدام و راح العمالقة يدهسونه دون أن يشعرون.
المفاجأة وحش كاسر يهاجمها، يصم أذنيها عن السمع، يكتم أنفاسها و يمنعها عن الصراخ. شعرت بنفسها مخلوق حقير، مجرد حشرة بسيطة تُدهس تحت الأقدام.
جرت فى الشوارع تدق الأبواب، لكن أبواب كل العمارات مغلقة من الخوف. لم تجد مهرباً من جحيم المعركة التى تدور أمامها. ثم إشتمت رائحة عطرة طاهرة. شعرت بالظل يحوم حولها، ثم هبط عليها الغطاء الساتر.
لم تعد ترى شيئأً و هى بداخل هذا الغطاء الحريرى، لكنها سمعت دوى القنابل و انهيار العمارات الشاهقة، سمعت صوت تحطيم الزجاج و الطلقات النارية، سمعت صراخ الرجال و النساء و الأطفال. بعد أن انتهت المعركة، انكشف عنها الغطاء السحرى الساتر.
رأت أمامها عالم آخر غريب عنها، دنيا غامضة موحشة لا تعرفها، تحولت المدينة إلى خرائب.
راحت تتجول بمفردها فى فزع. عواء الكلاب المسعورة يخلع قلبها من مكانه، فتجرى فى هلع إلى أن وصلت إلى بركة مياه قذرة تتجمع حولها القطط. أنياب القطط حادة عنيفة كأنها وحوش كاسرة، كأنها أسود أو نمور تتخفى فى شكل قطط. موائها كترانيم أرواح القبور.
راحت تتجول بين الخرائب كروح هائمة ضالة تبحث عن هدف لا تعرفه، إلى أن إشتمت نفس الرائحة العطرة الطاهرة و شعرت بالحركة حولها. التفتت لتجد أمامها فتاة خمرية رائعة الحسن، خصلة شعرها الأسود الناعم تداعب جبهتها، لا تعرف لماذا شعرت بالأمان مع هذه الفتاة. هل بسبب جمالها و سحرها؟ أم خفة ظلها؟ أم لأنها ترتدى قميصاً قطنياً يتزين بالنقوش الفرعونية؟
إرتمت فى أحضانها و هى تنعم بالشوكولاتة.
حسام أبو سعدة.
 hossamaboseda@gmail.com
Image may contain: 1 person, close-up and text

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق