الجمعة، 31 مارس 2017

♠ ♠ ♠ القصة القصيرة ♠ زمان يا زمان ♠ بقلم ا.د/ محمد موسى

    القصة القصيرة    
   زمان يا زمان   
  من مذياع سيارته سمع بطل قصتنا المرحومه بإذن الله السيدة أم كلثوم وهي تغني ، ( عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان إرجع يازمان ) ، فسأل نفسه سؤال هل الزمان يذهب ولا يعود ، أم أن الزمان يمكن أن يعود ، بدليل ما قالت ، ونحن نري كل يوم نهاراً يغقبه ليل ، ثم يأتي بعده نهار آخر مشرق بنفس الشس ، والتي لا تتحول أبداً الي هلالٍ ولا محاق كما القمر في الليل بل هي تظل كما هي بدر، ومع ذلك يقول الشاعر ( قول للزمان إرجع يا زمان ) ، فهل الزمان يتغير ، أم أن الزمان منذ خلقه الله ، زمانٍ كما هو ، والذي يتغير فقط هم سكان كل زمان ، ويبقى المكان في هذا المكان كما كان ، إذن الذي يتغير فقط هم سكان هذا الزمان ، ومعنى تغير السكان في كل زمان أن يتغير معهم المفاهيم والقيم ، وتبرز مشكلة إخرى للبطل هل لكل زمان قيمه ، قال لنفسه هناك قيم ثابته في الزمان ولكن فهم هذه القيم يختلف بإختلاف السكان ، وأعطى لنفسه مثال أن الرشوة في زمان القيم تسمى رشوة ، ( وملعون الراشي والمرتشي ) ، ولكن يأتي زمان تسمى إكرامية ، أو الشاي ، أو حاجة بسيطة ، وأرتاح بطلنا الي هذا التفسير ، وعندما رأى الناس في هذا الزمان كيف يبعون بالأيمان الكاذبه ، ويشترون ويبخسون الناس أشيائهم ، تذكر أن رجل حكيم قص عليه يوماً رواية عن ناس زمان ، في حي الغورية وهو من أحياء القاهرة القديمة ، وتوجد بهذا الحي حارات تضم أصحاب المهنه الواحدة ، مثل حارة الكحكين ، وحارة الخيمة ، وحارة الفحامين ، ومن الأسماء تستطيع معرفة المهنه المنتشرة في ذلك الحي ، ففي حارة الفحامين مثلاً ، ينتشر على جانب من الحارة الذين يبعون الفحم ، يوم أن كان الفحم تجارة رائجة ، وعلى الجانب الأخر دكاكين العطارة ، والذين يبعون حتى الأن العطارة والتي تسخدمها ربة البيت في عمل طعام البيت وغيره ، وكذلك أنواع مختلفه من البخور ، وهو من طقوس تقريباً كل البيوت المصرية ، أو قل البيوت العربية كذلك ، فقد رأى بطل القصة إنتشار البخور في سورية والسودان والخليج وتونس والجزائر والمغرب ، حتى أن البعض من هؤلاء البائعين للعطارة ، كان يمارس الطب الشعبي ، فهذه الأعشاب تسخدم في حالات الإمساك ، واللبان الدكر هذا يشرب للقضاء على الكحه ، وزيت الأورنفل لعلاج وجع الأسنان والدروس وهكذا أنواع كثيرة موجودة عندهم لكل أوجاع البشر ، ، والذي إهتم لسماعه بطلنا ، من ذلك الرجل الحكيم ، كان أخلاق الناس في هذا الزمان ، المقصود زمان كان ، قص لبطل قصتنا الرجل الحكيم ، العديد من القصص ، إلا أن الذي إستوقف بطلنا ، قصة الحاج عبد الله تاجر العطارة ، في حارة الفحامين في الغورية ، وبجواره دكان الحاج متولي تاجر نفس العطارة ، ففي يوم من الأيام جاء رجل الي الحاج عبد الله ليشتري منه (كزبرة) ، وهي مادة تعرفها ربات البيوت خصوصاً المصريات ، واليوم أغلب ربات البيوت العربيات ، والتي تستخدم في عمل (طشت الملوخية) ، وهي أكلة يعشقها المصريين ، وكذلك العرب ، فقد أكلها بطل الفصة في أغلب البلاد العربية التي زارها والبعض يطهيها وهي أوراق كاملة ، ولكن بطل قصتنا يحبها بالطريقة المصرية أي تخرط الأوراق بمخرطة ويفضلها يدوية وليست آلية ، وأكلها في تونس والمغرب مع ( الكسكس ) بلاً من الأرز كما في مصر ، والمرأة المصرية كما قرأ بطل القصة لها طقوس في تلك الطشة وقد كتب مرة في مذكراته ، أنه لم يلحظ أمه يوماً وهي تعد لهم الطعام ، والطبق الرئيسي هو الملوخية ، تمارس طقوس الشهقة كما قرأ ، فقال يبدو أن هذه الطقوس لا علاقة لها بجمال الملوخية ، بل هي طقوس من فلكلور المصريين ، خصوصاً أنه كان يأكل ملوخية من يدي رجال يصنعوها ، عندما يأكل في الخارج ، وكلما زار بطل القصة ، أحداً من الأجانب أصر أن يطعمه من هذه الأكلة المحببه للمصريين ، وكان كل من يأكلها من الأجانب يعجب بها جداً ، خصوصاً إذا تم إعدادها على شوربة الأرانب ، وهذا إكتشاف مصري بحت ، كما أن أول من أخرج الملوخية لعامة الشعب كان المصريين أيضاً ، والمذهل أن بطل القصة عندما كان يدرس في أوربا ، كان الحنين يأخذه لمصر أم الدنيا ، فعكف في مرة على كتابة بحثٍ عن أصل الملوخية ، وبإختصار كانت تسمى قديماً الملوكية ، حيث لا يأكلها إلا الملوك ، ولا تزرع إلا في حدائق القصور ، وتسربت الي العامة ، وسموها الخضرا الشريفة ، ثم تحورت الي الملوخية ، والذين زرعوها بدلاً من كثير من المحاصيل ، حتى جاء الأمر الأميري بعدم زراعتها خوفاً من نقص القمح والقطن مثلاً ، ولكن ليس هذا هو الأمر الأهم في القصة ، ولكن القصة اليوم تعكس سلوكيات الناس في زمان كان ، فكان أمام دكان الحاج عبد الله جوال من الكزبرة المعدة للبيع ، ولما جاء مشتري لها حدث شئ غريب يستحق الوقوف عنده ، فالحاج عبد الله صاحب هذه التجارة قال: للمشتري لا يوجد عندي طلبك ، ولكن يوجد عند جاري الحاج متولي ، قال: له المشتري ، ولكن هذا الجوال به الكثيرمنها ، إعتذر له بأدب وأخبره بأن هذه البضاعة مباعة ، ولكن جاره عنده الكثير، رأى الحاج متولي ما حدث ، وعندما جاء له المشتري أعطاه ما طلب ، ثم سأل الجاج عبد الله ، لماذا لم تبيع له ، وأرسلته لي ، فقال: له الحاج عبد الله لقد إستفتحت هذا الصباح ، ( يعني أني بعت بضاعة هذا الصباح وجاء لي رزق منها ) ، وأنت لم تبيع شئ حتى الأن ، فقلت أرسله لك لكي تستغتح مثلي ، سمع بطلنا هذه القصة ، ولم يعقب إلا بجملة واحدة ( فعلاً زمان كان ) فلا نشتكي من قسوة الزمان وظلم الأيام بل نلوم أنفسنا نحن السكان ، فقد ضيعنا الكثير من جمال الزمان ، وأعتقدنا أن المساحيق التي تغطي الوجوه سوف تجمل الأيام ، والذي إستقر في نفس بطل القصة أن الأدب يمكن أن يتنبأ بقادم الأيام وما يمكن أن يكون القادم من الزمان ، وإذا أردت عودة الزمان فيجب أن يعود معه سكان هذا الزمان.
   ا.د/ محمد موسى
No automatic alt text available.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق