الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

قصة قصيرة (( لعبة الكيمياء )) بقلم رائد مهدي / العراق

قصة قصيرة
(( لعبة الكيمياء ))
ستة اعوام مضت على ذلك الرجل البائس وهو يدعو ربه لساعة كاملة في الصباح وساعة اخرى في المساء طالبا منه ان يجعل مزاجه رائقا وان يمنحه قوة في التركيز وان يخلصه من التشويش دون فائدة تذكر فكانت لحظات استقراره تعد على الاصابع على تلك السنين وروقان مزاجه لم يكد سوى بضع دقائق في اليوم لاتتجاوز عدد اصابع يديه . بلغ به الضغط النفسي مبلغه وقف كالمجنون من شدة التشويش الذهني لايدري هل يشنق نفسه ام يكفر بربه ام يصرخ بصوت يهز الارض والسماء فجأة طرق باب بيته .لم يجد بنفسه رغبة لفتح الباب ولم تكن له رغبة بمقابلة احد والتحدث معه ولم يك لوجود الناس اي تأثير ايجابي على مزاجه ولم يستنقذوه من التشويش الذهني وفقدانه للتركيز والضعف الهائل في ذاكرته المجهدة بكثرة مافيها من ذكريات الم وخيبات ومرارات التجارب . اخير فتح باب داره واذا بشخصين من اقاربه رحب بهما وهم بنفسه ان يحضر لهما اكواب عصير البرتقال قالا اجلس ودعك من هذا وحدثنا عن نفسك وآخر اخبارك وعن احوالك وصحتك فتنهد طويلا وقال : نفسي لم تكن الا بستان زرعت به الظروف اشواكها وادغالها ياسادتي نفسي ملغومة بآلام ان حركتها فذلك يعني تفجير آلام قاتلة قد تودي بحياتي لعدم قدرتي على احتمالها ولانعدام وجود طريقة مثالية لدي لأبطال مصادر الألم في ذاتي وبالتالي استقلال حياتي وانفكاكي من أسر الألم . واما آخر اخباري فهي كأولها فألألم هو الألم بكل زمان ومكان وأنا محور هذا الألم وحلبة صراعه أبتليت به منذ ادركت الحياة والحرب في ذاتي مستمرة ودوائر الألم تتزايد والبحث عن الحلول والهدوء هو شغلي الشاغل فتركيزي مستلب ومزاجي مثل جهنم يفور ساعة ويجمر ساعة وينطفئ قليلا وتتماوج الى أعلى انتباهي تيارات الألم .ياسادتي : لقد جربت شتى الوسائل لخلاصي من هذا الوباء النفسي القاتل وباء الكآبة وانقباض المزاج دون جدوى. قاطعه احدهم بالقول : ومالذي جربته ياصاحبي ؟ فرد عليه والنار في قلبه : أول ماجربته هو الألحاد لأنني ظننت ان الرب هو مصدر الألم بحياتي ولكونه لم يكن سوى اله رعب ويشقي كل من لايسير في ركبه فكرهته جدا وقررت ان الحد وجوده في ذاتي وانكر اي اتصال لي مع رب مستبد بهكذا صفات واخلاقيات ولكن لم يوصلني الحادي وانكاري لسعادتي للراحة والهدوء والاستقرار الذي كنت اتصوره موجود في ذوات الملحدين الذي لايؤمنون بأرباب تعذب الناس حين لايطيعونها .فطرحت امري على شخص من المؤمنين بالغيب فقال يااخي كن الى جنب الرب وماان تؤمن به حتى يطمأن قلبك ويرتاح ذهنك وتستقر وان الطمأنينة هي قرين الأيمان ووجهه الآخر في وكل وجدان فآمنت بالرب ووقفت االى جانبه في مواقف شتى لكن الأمر كان يتفاقم سوء وحين عرضت حالي على احد المؤمنين بالغيب قال لي لأنك مؤمن والمؤمن مبتلى فأنقباض مزاجك وفقدانك للتركيز ماهو الا نتاج ايمانك فصرخت بوجهه لا اريد ايمانا ينجم عنه انقباض مزاجي وتشتت تركيزي , الأيمان الذي يجلب التعاسة والضيق ماهو الا مرض نفساني وانحراف في وجهة الذهن وضلال عن جادة التكامل ,لذا وطلبا لراحتي قررت ان اقف لجانب الشيطان في عصيان ذلك الرب بأعتبار ان ضد الأبتلاء هو الراحة والنعمة والوفرة والأستقرار والسعة والانشراح فكرهت ذلك الرب وسرت على ارادة خصمه ونقيضه الشيطان فكانت الكارثة أعظم في مزاجي وتفاقمت احوالي سوء وازددت الما ففكرت لوهلة سائلا نفسي ترى ماذا يحدث في فبدا لي ان نفسي ساحة صراع بين الرب والشيطان فشعرت بالامتعاض من ان اكون غنيمة يتجاذبها خصمان على حساب راحتي وسلامي فقلت ايها الرب اخرج من ذاتي انت والشيطان وتقاتلا بمكان غير هذا الكيان البائس المجهد لكن الحال بقى كما هو عليه بل اسوء فلجأت للرياضة فكان ارتياحي فقط ساعة الجهد حيث ينشغل ذهني بالتعب ولايفكر بشيء وماان يرتاح الجسد تضطرم النيران في وجداني ومن غير المعقول ان ابقى مجهدا طوال الليل والنهار فعلمت ان الرياضة لم تنفع معي ولم تحل الازمة ففرت الى الخيال الذي كنت ارى فيه تعزية لألم الواقع وتسكين من اوجاع الذهن فوجدت انه يستحيل على عضلات الذهن ان تستمر في خيالها طوال الليل والنهار وكنت اجهد بسهولة فأيقنت بفشل الخيال لفك الأزمة . قاطعه احدهم اذن لم يكن الرب حلا مناسبا للأزمة وكذلك الشيطان , فرد عليه : ياصديقي ان الشيطان هو عبارة عن المسار الخطأ والطريق الذي تضل فيه عن اختيارك الصحيح وقرارك الملائم لحالتك وطبيعة تكوينك واما الرب فهو غير معني ان كنا في الم او سعادة بقدر مايعنيه ان نكون نموذج ومثال صحيح في وجودنا بهذا العالم . ياسيدي : يزرع الفلاح اشجاره لتثمر ثمرا مطابق لما يشتيه ويرجوه ولايجد نفسه معني ان وقع الغبار على اوراقها او سكنت في جوف لحائها العقارب او رقدت على جذورها تحت التراب الافاعي او بنى طير في اعاليها عش له او تحفر في جذعها القوارض بيتا لها وتعبث به او بصق احدهم على اوراقها او هزت الريح اغصانها ياسادتي : الفلاح فقط يعتني بالشجرة ضد مايفسد ثمرها الذي زرعها لأجله . لذا استخلصت من ذلك أن الألم الذي لاعلاقة له بثمار روح الانسان فالرب لايجد نفسه معني به لأنه خارج خطته , وهاهي النباتات قسم يعيش تحت الماء وقسم خارجه وقسم تحت الشمس وآخر في الظل بل وحتى البكتريا فمنها من يعيش في بالوعات المياه الثقيلة ومنها في العجين ومنها بالفضاء الخارجي ,فالحال والزمان والمكان ليس واحدا وكل يثمر من حيث هو . لذا اكتشفت ان الرب بريء من المي وكذلك الشيطان لأن طبيعتي لم تتغير بتغيير معتقداتي وكذلك مزاجي المنقبض وادلة ذلك ان الشيطان لم يمنعني من الثمر والعطاء عبر الألم بينما حقيقة الشيطان هي ان يضل المرء عن هدف وجوده الى اهداف اخرى . وكذلك الرب لم يمنعني عن الثمر والعطاء عبر هذا الألم لأنه برغم قساوته لم يمنعني من ان اثمر واعطي لذا كان الرب بريئا من ألمي بل غير معني به من الاصل . ياسادتي ماهذه الحياة سوى لعبة للكيمياء وانا جزء من هذه الكيمياء وجزء من هذه اللعبة التي لانفقه لها بداية ولانتكهن لها نهاية فقد جئت للحياة نتيجة تفاعل مادتين من شخصين وتنامت تلك المواد لقابلية التمدد والانتشار في حيز ذاتها وهكذا يبدو لي كل الوجود فماهو سوى تمدد وتنامي للمادة في حيز ذاتها التي هو من الاصل عبارة عن حيز قابل لوجود الأشياء فيه وفناءها وانعدامها فيه ومن خلاله يااحبائي ان الرب هو هذا الحيز الذي لجميع الاشياء القابلية على الظهور فيه ومن خلاله والانعدام والفناء فيه ومن خلاله فمن غير المعقول ان يبيد الرب نفسه او يهلكها فما كان للأشرار قابلية الظهور بهذا الوجود لولا حيز الرب الذي هو وجوده وكذلك كل صغيرة وكبيرة بهذا الكون انما في حيز الرب ووجوده ظهرت او فنت وانعدمت ,والحال منطبق على آلامي فآلامي تصول بي وتجول في هذا الحيز الشامل لكل شيء وقد تتباعد عني حينا الى غيري لكن لايعني ذلك فناؤها بل انها ذهبت الى مكان آخر وشخص آخر فألألم ماهو الا طاقة والطاقة لاتفنى بل تتحول وتنتقل . يااصدقائي انا اؤمن بوحدة مصادر الأشياء فألألم في هذا الكون واحد في حقيقته مثل شجرة تتفرع اغصانها وتتمدد على رؤوس الأشقياء مع فارق نسبي في مقاديره التي ينتشر فيها ويتمدد وكذلك السعادة في الوجود ماهي الا شيئا واحدا في حقيقته وتتوزع هنا وهناك كأفرع شجرة تظل رؤوس الذين حالفهم الحظ والمدللون في حيز الرب . واما عن احوالي يااعزائي فلكل انسان حالة يراها بمقتضى لعبة الكيمياء في جسده وعقله , فما على المحزون بشكل مفرط الا ان يحتسي زجاجة خمر وسوف يجد نفسه ملك هذا العالم وسلطانه وماان يغسل وجهه بالماء البارد ويحتسي خمسة اكواب من القهوة المرة التي تذهب السكرة من رأسه فسرعان مايجد نفسه اشقى اشقياء العالم وماان يشتم قليلا من غاز الامونيا الذي يستخدمه الاطباء في التخدير ماقبل الجراحة فسرعان مايفقد الوعي ولن يشعر بشيء ولو احرقوه بالنار ولو قطعوه أربا وكذلك الذي لايريد ان يصحو فكل ماعليه هو تناول الاقراص المنومة وستبدو حقائق العالم واحواله له بشكل مختلف . يااحبتي تسألوني عن احوالي وانا اراكم لو سألتموني عن حال الكيمياء في وجودي لكان سؤالكم اكثر واقعية فما حقائق الحزن الا لعبة للكيمياء وكذلك الفرح وكذا كل تقلبات المزاج . قاطعه احدهم : اذن فبادر الى الكيمياء لتخرجك من ورطتك . فرد عليه : نعم الرأي ياصديقي سأذهب اليوم لطبيب الامراض العقلية والنفسية ليكتب لي بعض الادوية المضادة للأكتئاب وسوف تتغير كيمياء دماغي وبالتالي الامواج الكهرومغناطيسية في المخ ستكون لها دورات واهتزازات مختلفة عن حالها لدى اصحاب المزاج المنقبض وبشكل آلي لن اميل للتفكير السوداوي والخواطر السلبية ياصاحبي شكرا على هذه النصيحة وأيقنت دون أدنى شك ان حبة من العلاج كفيلة بتغيير مزاج لم تفلح الصلوات لسنين في تغييره .وان صحتي ماهي الا اثر لما يؤول اليه مزاجي وتقلباتي وما مزاجي البائس المنقبض سوى لعبة قذرة للكيمياء في جسدي وعقلي ولا تتغير الكيمياء سوى بقواعدها وقوانينها .فضحك اقرباؤه الذين معه وابتسم هو لهم وقالوا هيا بنا الى الطبيب فرد عليهم قائلا :تبا للكيمياء التي اتخذت مني لعبة تلهو بها وتجعلني حينا احكم الحكماء وتظهرني حينا اسوء المجانين .
رائد مهدي / العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق