الاثنين، 29 يناير 2018

أين براءة أطفالنا بقلم الشاعر/ خالد سليمان

أين براءة أطفالنا ؟ بقلم وألوان : خالد سليمان
************************************************
أعشق الأطفال جدا ، وحينما أرى طفلا تستيقظ فيّ طفولتي لأكون أكثر طفولة منه ، وأنظر لملامحه لمدة ثوان معدودة ؛ فيبتسم ، ولكن هذا الصباح تغيّرت هذه المعادلة ، غيّرها طفل على المعاش .
أثناء دخولي لمحل راق جدا في بيع الجواهر وخاصة الذهب والفضة ، بابتسامة عذبة قابلني الصائغ وهو يكمل مكالمته قائلا محتدّا على من يكلّمه : أي بائع مجوهرات عندك لن يقبل بهذا السعر ، وانتهت المكالمة ؛ ليجدني أقول له : قل جواهر ولا تقل مجوهرات ، فقال : أصل مجوهرات جمع ، فقلت وما مفرده ؟؟ فابتسم وقال : لا أدري ، فقلت : وجواهر جمع أيضا مفردها جوهر ، وأنت في اللغة مهنتك جواهري ، أما جواهرجي فمأخوذة من تأثرنا باللغة التركية ، فابتسم ، وقال : أشكر لك اهتمامك باللغة ، وأثناء حوارنا ، دخلت سيدتان كل منهما تحمل طفلا لا يتجاوز العامين ، ووقفت إحداهما عن يميني والأخرى عن يساري ، فاعتذر لي قائلا : هاتان السيدتان قريبتان لي ، فقلت تفضّل ، وبينما هو يرى مصوغات في علبة زرقاء معهما ، نظرت لأحد الأطفال ؛ فوجدته مبتسما لي فرحا بوجودي على ما أعتقد ، وهو يتلهّف ؛ ليلقي بنفسه في أحضاني ، وأنا مأخوذ بلهفته تلك ومتعجّب ، ونظرت للآخر ؛ لأجده خارج حسابات الزمن ، عبس وجهه ، وقطّب جبهته ، وعيناه استعدتا لسكب سحب الدموع ، ومدّ شفتيه ؛ استعدادا لعزف أسوأ سيمفونية بكاء أطفال سمعتها في حياتي ، فنظرت للطفل الأوّل ؛ فوجدته يواصل عزف ابتسامته وهمهمته استعدادا ؛ ليطير إليّ ، وتعجبت لهذا الباكي العنيف ، ونظرت لملامحه ، وأوّل سؤال قفز إلى ذهني ،أين براءة الطفولة ؟ هل هذا طفل ؟ ، أم أنّه محال على المعاش من عشرين عاما ، أو يزيد ، وتعجب الناس من مشهدي ، فطفل يبتسم ، وآخر يبكي بكاء ، لا أسمعكم الله إياه ، وأنا نظرت للأرض دهشة ، وهذا الطفل المحال للتقاعد من ربع قرن يصرخ بإخلاص لا نظير له ، والدموع تنهمر على خدّيه بشوق ، كأنها تريد الفرار من غباء ملامحه ، حتى ابتعدت أمه به عنّي ؛ ليهدأ لكن العبوس والقمطرير لا يفارقه ، فقلت في بالي حين هدأ : (يخرب بيت منظرك) ، وبدأت أنظر للطفل الآخر الذي صدمه بكاء هذا المحال للتقاعد ، ولما نظرت إليه ابتسم وتهلّل وسط دهشة الواقفين ، فقلت لأمّه : هل يمكنني حمله ؟ ، فأعطتني إياه وهو سعيد مبتهج ، واقتربت من الآخر ؛ فوجدته يشبه الصول جودة الذي مسح بي الأرض وسبّ أهلي من لدن أبي وأمي حتى آدم وحواء ، لمجرد أنني تعطّرت في طابور الصباح ، حملت الطفل ، واقتربت من هذا العبّاس ، وعيناه تسبان وتشتمان ، وشفتاه تقريبا بصقت على أهلي ، ومن أحضروني لهذه الدنيا ، تساءلت : ماذا يرى فيّ هذا العابس ؟ ، وماذا يرى فيّ هذا المبتسم ؟
فهل نحن نرى الأشياء وفق نظرتنا الخاصّة ؟ ، سبحان الله ، هل نحن نلقي بمشاعرنا الحلوة على الأشياء فتحلو ونسعد بها ونبتسم ، أم أنّ الأشياء الحلوة تلقي بجمالها على مشاعرنا ؛ فنحبّها ؟! ، شخص واحد يراه اثنان في سن واحد هذا يبتسم وهذا يعبس ، يبدو أنه يجب مراجعة ملامحي عند أطفال هذه الأيّام ، يبدو أنّ الذوق والإحساس بالجمال قد تغيّر ، وأنا لا أدري ، فمن وسامة الملامح التي ألفناها إلى الملامح المشلفطة التي حين تراني ينزل عليها الغباء لتعزف سيمفونية إزعاج في إزعاج .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق