بسم الله الرحمن الرحيم
رؤيا أم حبية
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات / الأردن
رؤيا الصالحين حق وصدق، وقفنا فيما سبق عند ردت عبيدالله بن جحش عن الإسلام ومات وهو يعاقر الخمرة فمات شر ميتة، وتمر الأيام سريعا وقد تكالبت الصعاب على أم حبيبة كالسحاب ولا أحد يطرق عليها الباب ويسليها سوى أبنتها وصغيرتها حبيبتها حبيبة، وتبقى صابرة لله في بُعد عن الديار والأخبار، لا زوج ولا أب ولا أم ولا أخت ولا أخ...ففوضت أمرها لله ونعم بالله، وفي ليلة من الليالي يأتي الفرج والبشرى من الله ، وقد كانت ترقد في خدرها وإلى جانبها أبنتها حبيبة وبينما هي تغط في نومها رات رؤيا افرحتها وابهجتها فقد رأت ما يرى النائم أن مناد يناديها يا أم المؤمنين أحلى صفة سمعتها في حياتها وأنها هي المقصودة بالنداء لأحد غيرها، استيقظت والفرحة والبهجة تغطي محياها رؤيا ما أزكاها أم المؤمنين؟، وعادت بعد هذا فأولتها أنها ستصبح زوج خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الصادق الوعد الأمين فهذه فرحة ليس لها مثيل، وتتحقق الرؤيا بعد حين، فقد سمع صلى الله عليه وسلم ما حل بأم حبيبة من كرب عظيم، واراد الله أن يكرمها ويعوضها عوض كريم، ويختار صلى الله عليه وسلم أحد اصحابه الكرام أن أذهب إلى ملك الحبشة النجاشي فقد كلفته أن يخطب لي أم حبيبة، ويحل الصحابي ضيفا على النجاشي وينقل له ذلك التكريم بتوكيل الرسول صلى الله عليه وسلم له بتزويجه من أم حبيبة، فيقبل ذلك التكريم، وقد أختار النجاشي امرأة من حاشيته اسمها أبرهة، فقال أذهبي فأنت البشير لأم حبيبة، ببشرى خطبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لها، فوصلت أبرهة وطرقت الباب فانفتح على مصرعيه فرحا وطربا واستأذنت بالدخول فدخلت وكانت أم حبيبة للتو قد ودعت عدتها من زوجها، وحولها أبنتها ذات الثلاثة عشر ربيعا ففرحت بفرح أمها وزال الهم وانجلى الحزن والغم وانفرجت اساريرهما "فحبيبة ستصبح ربيبة بيت النبوة" وبعد هذا الحديث والموافقة والرضي ومن لا يرضى برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت أبرهة : إن الملك يقولُ لك: وكّلي مَنْ يُزوِّجك...فأخذها الفرح وطوف بها المكان والزمان، فأرسلت سريعا قبل الأوان ونقلت فرحتها إلى اقرب قريب خالد بن سعيد بن العاص بن أمية فوكّلته بزواجها، وخلعت على أبرهة سِوارين من فضّة وهي خاصتها وكل ما تملك مكافأة على البشرى، والآن ننتقل إلى قاعة قصر ملك الحبشة حيث ستجري مراسم عقد الزواج وقد حضره جمع كريم من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم المهاجرين وعلى رأس الجاهة عميدهم جعفر ابن ابي طالب رضي الله عنهم أجمعين، فخطب النجاشي وأجاد فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنه الذي بشَّر به عيسى بن مريم؛ أمَّا بعد: فإن رسول الله كتب إلَيَّ أن أزوجه أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله، وقد أصدقْتُها أربعمائة دينار. فأجاب خالد بن سعيد وكيل أم حبيبة بالزواج فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستنصره، وأشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ؛ ليُظهره على الدين كله، ولو كره المشركون. امَّا بعد، فقد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله، وزوَّجته أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسول ،ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها" مهرا لأم حبيبة، واراد القوم الاستئذان، فقال النجاشي :- اجلسوا؛ فإن سُنَّة الأنبياء إذا تزوَّجوا أن يُؤكل طعامٌ على التزويج. فدعا بطعام وأكلوا، ثم تفرَّقوا. فكان زواجا مباركا فيه، وأوصل خالد بن سعيد --ومن باب التذكير فهو شهيد اليرموك وزج أم حكيم- أوصلها المهر أربعمائة دينار لأم حبيبة، وأول ما بدأت به أم المؤمنين بعد عقد الزواج ،أن أرسلت وراء أبرهة التي بشرتها ببشرى طلب الرسول صلى الله عليه وسلم فلبت وجاءت سريعا
وقالت أم المؤمنين :- إنِّي كنتُ أعطيتُك ما أعطيتُك يومئذٍ ولا مال بيدي، فهذه خمسون مثقالاً، فخُذيها فاستعيني بها. فأبتْ وأخرجتْ حُقًّا فيه كل ما كنتُ أعطيتُها فردَّتْه عليَّ، وقالت: عزم عليَّ الملك أن لا أَرْزَأَكِ شيئًا، ثم بينت أبرهة عن علاقتها بالنجاشي فقالت :- أنا التي أقوم على ثيابه ودهنه، وقد اتبعتُ دين محمد رسول الله ،وأسلمتُ لله،- وهذا أول الخير- قد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر، قالت أم المؤمنين : فلمَّا كان الغد جاءتني بعُودٍ، ووَرَسٍ، وعنبر وزبَّادٍ كثير، فقَدِمْتُ بذلك كلِّه على رسول الله،فكان يراه علَيَّ وعندي فلا ينكره،-- فهذا كله حسن وإحسانا وتربية ورضوانا منه صلى الله عليه وسلم ودرسا للأزواج إلا يشم أحدهما من الآخر إلا أطيب الطيب—وقد توطئت العلاقة بين ام حبيبة وأبرهة، ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي على رسول الله منِّي السلام، وتُعلميه أنِّي قد اتَّبعتُ دينه،-- فهي بهذا الكلام تتحبب للقرب من سيد الأنام وسوف تسمع منه لها أحسن كلام—وقد قامت أبرهة بواجب النساء لحرم رسول الله في زينتها بأدب وحشمة، قال الله تعالى " "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فهذا امر مباح أن تتزين المرأة لزوجها وهو كذلك—قالت أم المؤمنين : ثم لطفتْ بي وكانت التي جَهَّزتني،- ما شاء الله على هذا الاهتمام بعروس النبي صلى الله عليه وسلم—وقالت أم المؤمنين :- وكانت كلَّما دخلت علَيَّ تقول: لا تنسَيْ حاجتي إليك— اهتمام منقطع النظير فكانت تخاف أبرهة أن الفرحة تنسي أم المؤمنين عن أن تبلغ سلامها للرسول الحبيب—قالت أم المؤمنين: فلمَّا قَدِمْتُ على رسول الله أخبرته كيف كانت الخطبة، --- طبعا هذا الجمال الرباني والفرحة والزينة والخدمة التي لاقتها أم المؤمنين من قوم محبين للرسول والمؤمنين علق في ذهن أم المؤمنين فنقلته للرسول الكريم، ولم تنسى حاجة أبرهة ووصيتها وسلامها إلى الرسول الأمين، وقالت كل ذلك - وما فعلَتْ بي أبرهة –هذا الفعل الجميل- فتبسَّم، وأقرأْتُه منها السلام، فقال: "وَعَلَيْهَا السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ –وللحديث صلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق