بقلم /
-------------------------
فن الشعر الغنائي ، ذلك الذي كُتِب له أن يحيا إلى يومنا هذا - بعد فناء الملحمي والتمثيلي -بحيث يمثل أغلب تراث الإنسانية الشعري ، ومنه تراث الشعر العربي ..
وهو لا يعني الأغاني الشائعة المؤلفة لكي يصدح بها المطربون والمطربات ، كما قد يتبادر إلى الذهن ، إنما هو على حد تعبير الدكتور محمد مندور " شعر القصائد والمقطوعات " ذلك الذي :
" إذا كان قد اتخذ عند العرب صورة محدودة ثابتة هي القصيدة ذات الوزن الواحد والروي الواحد والقافية الواحدة والمستقلة الأبيات ، فإنه قد اتخذ عند الغربيين منذ القدم صورًا واشكالًا متباينة ، وكان لكل صورة تركيبها الموسيقي الخاص " ..
ولعل تسميته بالغنائي مبعثها أنه كان في نشأته مقترنًا بالغناء ، سواء كان هذا الغناء – وفق تعبير الدكتور محمد عناني – على أنغام القيثار أيام اليونان أم على أنغام العود والدف أيام العرب أم على أنغام الآلات المصرية المنوعة ..
حتى إذا ما انتشرت الطباعة ، فباعدت بين الشاعر والصلة المباشرة بالجمهور ، ومن ثم انقطع اقتران الشعر بالغناء ، إذ وجد الشعر في الكلمة المكتوبة ما يصله – بالمناجاة والهمس – بالجمهور المتلقي بديلًا من الكلمة المسموعة ..
وفي سمات الشعر الغنائي الشكلية الثابتة يقول الدكتور محمد مندور :
" وإذا كان هذا النوع من الشعر قد تطور في الشرق والغرب من الغناء إلى الإنشاد بل إلى القراءة الصامتة ، فإن العنصر الموسيقي المتمثل في الوزن والإيقاع والانسجامات الصوتية لا يزال بالغ الأهمية في الشعر ، بل أخذت أهميته تزداد في أواخر القرن التاسع عشر حتى رأينا الرمزيين يقولون أن الشعر موسيقى قبل كل شيء ، وأن عنصر الموسيقى فيه يبذ في الأهمية المعاني والعواطف والصور الشعرية ذاتها باعتبار أن الموسيقى هي أقوى أداة للإيحاء ، والشعر عندهم إيحاء أكثر منه تعبيرًا لغويًا صريحًا واضحًا " ..
أما عن سماته الموضوعية فيبرزها الدكتور محمد عناني في قوله أن :
" أهم ما يميز الشعر الغنائي عن الشعر القصصي أو الشعر الدرامي هو أنه يعبر مباشرة عن مشاعر المتحدث وأفكاره - أي أنه تعبير ذاتي – وذلك رغم أنه يحول التجربة الذاتية إلى تجربة فنية ( أي موضوعية ) باستخدام لغة الفن أو لغة الشعر وهي لغة الإيقاع والتصوير والتركيب ..... ولكننا على أية حال نلمح ضمير المتكلم بارزًا في القصيدة الغنائية ونحس أنها موجهة إلى مستمع ما أو قارئ ما . مهما كان الموضوع الذي تتناوله القصيدة . ( أو ما يسميه العرب أغراض القصيدة ) فإن الشاعر يفترض وجود جمهور ويفترض استجابته للقصيدة " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق